إذن فقد بيّن فيه كل شيء ومنه أخذ كل إنسان وزمان قدر ذهنه، ولو أن القرآن يراد تفسيره لما فسّره أحد غير من انفعل له نزولاً عليه وهو سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أيستطيع واحد بعد ذلك أن يقول شيئا في التفسير؟} إذن لو فسره الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لجمّده لأنه لا يجرؤ أحد أن يأتي بتفسير بعد الرسول.
وقد علم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن عطاءات القرآن لا تتناهى، لذلك لم يفسّره. بل أوضح بما تطيقه العقول المعاصرة حتى لا ينصرفوا عنه. ولو كان القرآن قال: إن الأرض كرة وتدور حول الشمس، أكان يصدقه أحد؟ إن هناك حتى الآن من ينكر ذلك. ونجد القرآن يشير ويلمح إليها إلماحا خفيفاً إلى أن تتسع العقول لها. فيقول الحق:{يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار وَيُكَوِّرُ النهار عَلَى الليل}[الزمر: ٥] .
وما دام الليل يأتي وراء النهار، والنهار يأتي وراء الليل في شبه كرة؛ فالذي يأتي عليه الليل والنهار شكل الكرة. فكأن كلاً من الليل والنهار دائر وراء الآخر حول كرة، إذن فالحق يعطي اللمحة بميزان حتى تتسع العقول للفهم. ويقول القرآن:{قُل للَّهِ المشرق والمغرب}[البقرة: ١٤٢] .
وهذا قول واضح؛ لأن كل واحد منا يعرف المشرق والمغرب. لكن حين يقول الحق:{رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين}[الرحمن: ١٧] .
أكان يفهمها المعاصر لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟ نعم، لأنه ساعة ما يقول: إن الشمس أشرقت من المكان الفلاني، وغابت عن مكان آخر، فساعة شروقها عندك تغرب عندي، وساعة تغرب عندك تشرق عندي، وهكذا يصير كل مشرق معه مغرب، إذن فقد صدق قول الله {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} .