أخبر به من الأمور الغيبية، الجن مستور، والمادة كلها - كما بينا - تدل على الستر، فالجنون غياب العقل، وجن الليل، أي ستر وغطى، والجنة لأن فيها أشجاراً وغير ذلك بحيث لا يظهر الذي يسير فيها فتكون ساترة لمن يدخلها.
إذن المادة كلها تدل على الستر، وهل الذي نتعجب منه أنهم جعلوا الجن شركاء، أو أن التعجيب ليس من جعل الجن شركاء بل من اتخاذ مبدأ الشركاء، سواء أكان جناً أم غير جن، إن التعجيب هنا من المبدأ نفسه، فنحن لا نعترض فقط على أن الجن شركاء، بل نحن نعترض على المبدأ نفسه، أن يكون لله شريك من جن أو من ملائكة أو من غير ذلك، ولهذا قدم المجعول - وهو الشريك - على المجعول منه - وهو الجن - مع أن العادة أن يقدم المجعول منه على المجعول، فتقول جعلت الطين إبريقاً أي: أن الطين كان موجوداً، وأخذت منه الذي لم يكن موجوداً وهو الإبريق.
ثم هل كان الشركاء موجودين وطرأ الجن عليهم؟ أو كان الجن موجوداً وطرأ الشركاء عليهم؟ في هذه الحالة كان يجب القول: وجعلوا الجن لله شركاء، إذن فالعجيبة ليس في أن يكون الجن شركاء، العجيبة في المبدأ نفسه، وكيف ترد فكرة الشركاء على أذهانهم سواء أكان الشركاء من الجن أم من غير ذلك، ولهذا قال سبحانه:{وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ} وساعة تسمعها تقول: أعوذ بالله {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ} !! ولا يهمك من هم الشركاء؛ لأن مطلق مجيء شريك لله هو الأمر العجيب، سواء كان من الجن أم من الملائكة وكيف جعلوا الجن شركاء؟ ألم يقل الحق في كتابه إن إبراهيم قال:{ياأبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان إِنَّ الشيطان كَانَ للرحمن عَصِيّاً}[مريم: ٤٤] .
وما هي العبادة؟ العبادة هي أن يطيع العابد المعبود فيما يأمره به، وما داموا يطيعون الشياطين في وسوستهم فكأنهم عبدوهم، ولذلك يقول الحق سبحانه: