ويأتي عالم آخر ممن انفعلوا بصفات اللطف، فيقول: الذي يجازيك إن وفيت، ويعفو عنك إن قصرت، وعالم آخر يضيف إلى معاني اللطف فيقول: من افتخر به وأعزه، ومن افتقر إليه أغناه، وعالم ينفعل انفعالاً آخر بمظاهر اللطف فيقول: من عطاؤه خير، ومنعه ذخيرة.
. أي أنه لو منع عبده شيئاً فإنه يدخره له في الآخرة، كل هذه مظاهر للطف، وهذا مناسب لقوله الحق:{لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} إن لطفه سبحانه يتغلغل فيما لا نستطيع أن ندركه، وحين تحلل أنت أي أمر قد لا تصل إلى فهم النعمة، وإن وصلت فأنت لا تقدر أن تؤدي الحمد على تلك النعمة.
وقوله الحق:{وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار} مناسب لكلمة «خبير» ، ونحن في حياتنا نسمع كلمة «خبير» فعندما نقابل أي مشكلة من المشكلات نجد من يقول: نريد أن نسمع رأي الخبير فيها، وفي القضاء نجد القاضي يستدعي خبيراً ليكتب تقريراً في أمر يحتاج إلى من هو متخصص فيه وعليم به، إذن فالخبير في مجال ما هو الذي يعرف تفاصيل الأمر، فما بالنا بالخبير الأعلى الذي لا يستعصي عليه شيء في ملكه، وهو الذي يدرك الأبصار، فقوله:{لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} يناسبها «خبير» ، وهذا ما يسمونه في اللغة «لف ونشر» وهو ان يأتي بأمرين أو ثلاثة ثم يأتي بما يقابلها، مثال ذلك قوله الحق:{وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار}[القصص: ٧٣] .
فمن مظاهر رحمته لنا سبحانه أن جعل لنا الليل والنهار، ثم قال:{لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ}[القصص: ٧٣] .
لنسكن في الليل، ونبتغي فضله في النهار، وهذا اسمه - كما قلنا - «لف ونشر» .