فهناك أناس مؤمنون وهم أصحاب الفطرة السليمة بطبيعتهم؛ لأن الخير هو الفطرة في الإنسان، وقد جاء التشريع لينمي في صاحب الفطرة السليمة فطرته أو يؤكدها له، ويعدل في صاحب النزعة السيئة ليعود به إلى الفطرة الحسنة.
والذين يضلون عن سبيل الله ماذا يتبعون؟ يقول الحق:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} .
كل واحد منهم يظن أن هذا الضلال ينفعه الآن، ويغيب عنه ما يجر عليه من الوبال فيما بعد ذلك.
و «الظن» - كما نعلم - هو إدراك الطرف الراجح ويقابله الوهم وهو إدراك الطرف المرجوح والظن هنا، هو ما يرجحه الهوي:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَْ}[الأنعام: ١١٦]
و «إن» - كما نعرف - تأتي مرة جازمة: إن تفعلْ كذا تجدْ كذا، وتأتي مرة نافية، مثل قوله الحق:{مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ. .}[المجادلة: ٢]
أي: ما أماتهم؛ ف «إن» هنا نافية. وقوله الحق:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} أي ما يتبعون إلا الظن. هم إما أن يتبعوا الظن وإمّا أن يخرصوا. (فالخارص) هو من يتكلم بغير الحقيقة، بل يخمن تخميناً، كأن ينظر إنسان إلى آخر في سوق الغلال ويسأله: كم يبلغ مقدار هذا الكوم من القمح؟ . فيرد: حوالي عشرة أرداب أو اثنى عشر أردباً، وهو يخمن تخميناً بلا دليل يقيني أو بلا مقاييس ثابتة، أو يقول كلاماً ليس له معنى دقيق.
فإذا اتبعت الناس فسوف يضلونك. لأنهم لا يملكون دليلاً علمياً، ولاحقًا يقينيًا، بل يتبعون الظن إن كان الأمر راجحاً، ويخرصون ويخمنون حتى ولو كان الأمر مرجوحاً.