وفي حياتنا اليومية هل تقول: إن الذين يربون أبناءنا في الجيش بالشدة، يقسون على الأبناء؟ لا، بل إنهم يعدّونهم لمواجهة المهام الشاقة. وأن يتعوّدوا التزام الأدب والطاعة والانضباط، فكذلك حلل الحق ما أراد وحرم ما شاء ليجعل الكون منضبطاً بقدرة الحكيم القادر، فسبحانه يحرم أشياء مثل المخدرات، ونحن في بعض الأحيان نتناولها لنداوي بها الأمراض، فلو أخذها الإِنسان من غير مرض أو داعٍ فإنّها تسرق الصحة من بنية الإِنسان، وإن أخذها من بعد ذلك للعلاج لا تأتي بالمفعول المطلوب منها. ولذلك نجد من الأطباء من يسأل الإِنسان قبل إجراء الجراحات الدقيقة إن كان المريض قد تناول المخدرات أو لا، وذلك حتى يتعرف الأطباء على حقيقة ما يصلح له من ألوان التخدير.
وسبحانه وتعالى قد منع عنا تلك الألوان من مغيبات العقول، لعلنا نحتاج إليها في لحظة الشدة والمرض.
إذن فالحق سبحانه وتعالى قد ربط كل حكم من الأحكام التحليلية والتحريمية ب «إن كنتم مؤمنين» ، ومعنى «إن كنتم مؤمنين» أي يا من آمنتم بالإِله الحكيم الذي لا يأمر إلا بما فيه مصلحتكم، امتنعوا عن مثل تلك الأفعال، وإذا أقبلت على أي شيء مما أحله الله لك فأقبل عليه باسم الله، وسبحانه وتعالى له أسماء علمها لنا، وأنزلها في كتابه، وأسماء علمها لأحد من خلقه، وأسماء استأثر بها في علم الغيب عنده، وهذه الأسماء هي صفات الكمال لله، التي لا توجد في غيره. وحين نستحضر الاسم الجامع لكل صفات الكمال نقول: باسم الله. وتنهي المسألة. وحين ناقش العلماء مسألة التحريم والتحليل، قال بعضهم: إن الحق سبحانه وتعالى قال في أول سورة المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة}[المائدة: ٣]
وهنا في سورة الأنعام يقول:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}[الأنعام: ١١٩]
والمتنبهون من العلماء قالوا: إن سورة المائدة مدنية، ومعنى كونها مدنية أنها نزلت بعد