أي أنه سبحانه قد أعطى لمثل هذا العبد حياة خالدة ونوراً يمشي به، ولا يحطِّم ولا يتحطم.
أما من يقول: إن الحياة بمعناها الدنيوي، لا تختلف عن الحياة في ضوء الإِيمان، لمثل هذا نقول: لا، ليس بينهما تساوٍ فهما مختلفان بدليل ان الحق يقول:{استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال ٢٤]
فسبحانه يخاطبهم، وما دام يخاطبهم فهم أحياء بالقانون العادي، لكنه سبحانه أنزل لرسوله المنهج الذي يحيا به المؤمن حياة راقية، وافطنوا إلى أن الحق سبحانه وتعالى أعطى ومنح الروح الأولى التي ينفخها في المادة فتتحرك وتحس بالحياة الدنيا، إنّه أعطاها المؤمن والكافر. ثم يأتي بروح ثانية تعطي حياة أبدية. ولذلك سمّي منهج الله لخلقه روحاً:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا}[الشورى: ٥٢]
فالمنهج يعطي حياة خالدة.
إذن فقوله الحق:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} أي أَوَ من كان ضالاً فهديناه، أو من كان كافراً فجعلناه مؤمناً. ولنلحظ أن فيه «ميْتاً» بالتخفيف، وفيه ميّت بالتشديد. والميّت هو من يكون مآله الموت وإن كان حيًّا، فكل منا ميّت وإن كان حيَّا. ولكن الميْت هو من مات بالفعل وسلبت وأزهقت روحه. ولذلك يخاطب الحق نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيقول له:(إنك ميّت) .
أي تؤول إلى الموت وإن كنت حيًّا الآن. لأن كٌلاًّ من مستمر في الحياة إلى أن يتلبس بصفة الفناء، ويقول الحق:«فأحييناه» أي بالمنهج الذي يعطيه حياة ثانية، ولذلك سمّي القرآن روحاً، وسمّي من نزل بالقرآن روحاً أيضاً.