للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا ما اقتعنت بهداية الدلالة وآمنت بالحق فسبحانه يخفف عليك أمور التكليف ويجعلك عاشقاً لها، ولذلك يقول أهل الصلاح: ربنا قد فرض علينا خمس صلوات، وسبحانه يستحق منا الوقوف بين يديه أكثر من خمس مرات، وفرض علينا ربنا نصاب الزكاة وهو اثنان ونصف بالمائة، وسبحانه يستحق منا أكثر من ذلك لأنه واهب كل شيء، وهذا عشق التكليف، وهذا هو معنى قوله: {فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} .

{فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ} أي يدلّه سبحانه كما دل كل العباد إلى المنهج، لكن الذي اقتنع بالدلالة وآمن يسهل عليه تبعات التكليف مصداقاً لقوله الحق: {وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} [مريم: ٧٦]

فهذه هداية المعونة، وفيه فرق هنا بين الإِسلام والإِيمان لأن الإِيمان لا يحتاج فقط إلى الاعتقاد؛ إنما هو حمل النفس على مطلوبات الإِيمان. ولذلك نجد أن كبار رجال قريش رفضوا أن يقولوا: «لا إله إلا الله» ؛ لأنهم علموا أنها ليست مجرد كلمة تقال، ولكن لها مطلوبات تتعب في التكاليف الناتجة عنها ب «افعل» و «لا تفعل» . فالتكليف يقول لك: «افعل» لشيء هو صعب عليك، ويقول لك: «لا تفعل» في شيء من الصعب أن تتركه، لذلك يقول سبحانه: {فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} [الأنعام: ١٢٥]

وسبحانه يشرح صدره للإِسلام بعد أن علم أنه قد اعتقد شريعة التوحيد ورضيها واطمأن بها، فيأتي إلى فهم التكاليف؛ لأن صحيح الإِسلام يقتضي الانقياد لأمور التكاليف، فمن أخذ الهداية الأولى وآمن بربه، يوضح له سبحانه: آمنت بي وجئتني؛ لذلك أخفف عنك تبعات العمل، ويشرح صدره للإِسلام، وشرح الصدر قد يكون جزاءً. فسبحانه هو القائل:

<<  <  ج: ص:  >  >>