والذي يغرّ هو الشيء الذي يكون له تأثير، وهو موصوف بأنه «دنيا» !! لذلك فالغرور الذي يأتي بالدنيا هو قلة تبصّر.
{وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} . ومن يستقرئ آيات القرآن يجد آية تقول:{والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام: ٢٣]
فمرة ينفون عن أنفسهم أنهم كفروا، ومرة يثبتون أنهم كافرون، وهذا لاضظراب المواقف أو اختلافها. أو أنهم {وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ} ؛ بمعنى أن أبعاضهم شهدت عليهم؛ لأن الإنسان في الدنيا له إرادة، وهذه الإِرادة مسيطرة على ما له من جوارح وطاقات مخلوقة لله؛ لأن الله جعل للإِرادة في الإِنسان ولاية على الأبعاض التي تقوم بالأعمال الاختيارية. لكن الأعمال الاضطرارية القهرية ليس للإِنسان إرادة فيها؛ فلا أحد يملك أن يقول للقلب انبض كذا دقة في الساعة، ولا أن يقول للأمعاء: تحركي الحركة الدّودية هكذا. لكنه يقدر أن يمشي برجليه إلى المسجد، أو يمشي إلى الخّمارة. ويستطيع أن يقرأ القرآن أو يقرأ في كتاب يضر ولا يفيد.
إذن فإرادة الإِنسان مسيطرة على الأبعاض لتحقق الاختيار المصحح للتكليف. لكن يوم القيامة تسلب الإِرداة التي للإِنسان على أبعاضه، وتبقى الأبعاض كلها حُرّة، وحين تصير الأبعاض جُرّة فالأشياء التي كانت تقبلها في الدنيا بقانون تسخيرها لإِرادتك قد زالت وانتهت، فهي في الآخرة تشهد على صاحبها؛ تشهد الجلود والأيدي والأرجل:{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قالوا أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ... }[فصلت: ٢١]
وحين يقولون لربنا: ما كنا مشركين، فهذا كلامهم هم، لكن جوارحهم تقول لهم: يا كذابون، أنتم عملتم كذا.