التزيين أمراً عرضياً طارئاً، ووجه التزيين أنهم كانوا إما أغنياء، وإما فقراء، فإن كانوا فقراء يقل الواحد منهم لماذا أجلب لنفسي هِّما على همّ، وإن كانوا أغنياء يقل الواحد منهم: إن الأبناء سيأخذون منك ويفقرونك. إذن ففيه أمران: إما فقر موجود بالفعل، وإما فقر مخوَّف منه، ولذلك تجد الآيات التي تعرضت لهذا المعنى، تأتي على أسلوبين اثنين؛ فالعَجُز مختلف باختلاف الصدر، والذين يحبون أن يستدركوا على أساليب القرآن لأنه مرة يقول:{وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ... }[الإسراء: ٣١]
ومرة ثانية يقول:{نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ... }[الأنعام: ١٥١]
فما الفرق بين العبارتين؟
ونقول لمثل هذا القائل: أنت تقارن بين التذييل {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} ، و {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} . هذا تذييل لآية، وهذه تذييل لآية ثانية. هات ذيل الآية مع صدرها نجد أن ذيل كل آية مناسب لصدرها. ومادام قد اختلف في الصدر فلابد أن يختلف في الختام، ففي الآية الأولى يقول الحق سبحانه:{وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} فالإملاق وهو الفقر واقع موجود. إذن فشغل الإنسان برزقه أولى من شغله برزق من يعوله من الأولاد، فيقول الحق لهؤلاء:{وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ... }[الأنعام: ١٥١]
فالإملاق موجود، وشغلهم برزق أنفسهم يملأ نفوسهم. لذلك يقول لهم:{نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} فيطمئنهم سبحانه نحن نرزقكم ثم نرزقهم. أما إن كان الإملاق غير موجود فالحق يقول:{وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ... }[الإسراء: ٣١]