والمصروف في ذاته ليس حراماً، ولكن المنع هنا للتأديب. والحق هو القائل:{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ الله كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الناس بالباطل ... }[النساء: ١٦٠ - ١٦١]
ولأنهم فعلوا كل ذلك يأتي لهم التحريم عقاباً وتأديباً {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايآ أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ ذلك جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ}[الأنعام: ١٤٦]
وأنت حينما تذبح الذبيحة تجد بعضاً من الدهن على الكلى، ونجد في داخلها ما يسمونه «منديل الدهن» وكذلك «ألية الخروف» ، وحين تقطع الرأس تجد فيها نوعاً من الدهون، وقد حرّم الحق عليهم في البقر والغنم شحومهما. وكذلك {كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} محرم كله. وهناك استثناء في البقر والغنم هو:{إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايآ} .
أي أحل لهم ما هو فوق الظهر من الشحم، وأحل لهم ما حملته الحوايا من الشحوم و «الحوايا» جمع حوية أو حاوية أو حاوياء أو حاوياء وهي ما تحوّي من الأمعاء أي تجمع واستدار، وفي الريف تقول المرأة عن قطعة القماش التي تبرمها وتلفها وتصنع منها دائرة مستديرة تضعها على رأسها لتحميه عندما تحمل فوقه الأشياء؛ تقول: صنعت «حواية» والحواية هنا هي الأمعاء الغليظة، وطولها كذا متر، ومن حكمة تكوينها الربانية نجدها تلتف على بعضها، ولذلك اسمها «الحوايا» ، وهي ما نسميه «الممبار» . وكذلك حلل لهم ما اختلط بعظم في القوائم والجنب والرأس والعين، وكذلك أحل لهم شحما اختلط بعظم منه الألية، لأن الألية تمسك بعَجْب الذنب. أي أصله، وهو الجُزَيْء في أصل الذّنب عند رأس العُصْعُص. ولأنه رحيم فهو ينزل عقوبة فيها الرحمة فيبيح له شيئا ويحرم شيئا آخر.