في قضية العقيدة:{لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا} ، وكأنهم أشركوا بمشيئة الله. وجاءوا إلى ما حرموا من حلال الله وقالوا إنهم قد فعلوا ذلك بمشيئة الله أيضاً؛ ليوجدوا لأنفسهم مبرراً، وهذا القول ليس قضية عقلية؛ لأنها لو كانت وقفة عقلية لكانت في الملحظين: الخير والشر، فالواحد منهم يقول: كتب ربنا علينا - والعياذ بالله - الشر، لماذا يعذبني إذن؟! ولا يقول هذ الإنسان «وكتب الله لي الخير» . هذا ما كان يفرضه ويقتضيه المنطق لكنهم تحدثوا عن الشر وسكتوا عمَّا يعطى لهم من خير.
وقولهم {لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا} صحيح المعنى؛ لأنه سبحانه لو شاء أن يجعل الناس كلهم مهديين لفعل، لكنه شاء أن يوجد لنا اختياراً، وفي إطار هذا الاختيار لا يخرج أمر عن مشيئته الكونية. بل يخرج الكفر والشر عن مراده الشرعي. وعلمنا من قبل أن هناك فرقاً بين الكونية والشرعية؛ فكفر الكافر ليس غصباً عن الله أو قهراً عنه سبحانه، إنما حصل وحدث بما أعطاه الله لكل إنسان من اختيار، فالإنسان صالح للاختيار بين البديلات:{فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ... }[الكهف: ٢٩]
فالإنسان قادر على توجيه الطاقة الموهوبة له من الله الصالحة للخير أو الشر.
إذن فأختيار الإنسان إما ان يدخله إلى الإيمان وإما أن يتجه به إلى الكفر، لذلك يقول الحق عن الذين يدعون أن كفرهم كان بمشيئة الله:{كذلك كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِم حتى ذَاقُواْ بَأْسَنَا. .}[الأنعام: ١٤٨]
والسابقون لهم قالوا ذلك وفعلوا مثل ما يفعل هؤلاء من التكذيب؛ وجاءهم بأس وعذاب من الله شديد، ولذلك يأمر الحق محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:{ ... قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ}[الأنعام: ١٤٨]