والهُدَى هو ما يدل على الغايات، لأن دين الفطرة قد انطمس بعدم تبليغ الآباء إلى الأولاد منهج السماء في أمور الحياة ومتعلقاتها والقيم التي يجب أن تسود. والآفة أن الأب يعلم ولده كيف يأكل ويشرب، وينسى أن يعلمه أمور القيم، لكن الحق سبحانه وتعالى رحم غفلتنا، ورحم نسياننا؛ فشرع وأرسل لكل زمان رسولاً جديداً، وهدْيا جديداً ليذكرنا. { ... لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ}[الأنعام: ١٥٤]
إن كل آفة تنبع من العزوف عن تشريعات الله، وهم ينسون أن يضعوا في أذهانهم لقاء الله، لكن لو أن لقاء الله متضح في أذهانهم لاستعدوا لذلك؛ لأن الغايات هي التي تجعل الإنسان يقبل على الوسائل. والشاعر يقول:
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي ... ومن أين والغايات هي بعد المذاهب
ونقول لهذا الشاعر: قولك: ألا من يريني غايتي قبل مذهبي كلام صحيح، أما قولك: ومن أين والغايات بعد المذاهب، هذا كلام غير دقيق، فالغاية هي التي تحدد المذهب، وكذلك شرع الله الغاية أولاً، بعد ذلك جعل لهذا السبيل. وقد شرع الله لكل شيء ما تقضيه ظروف البشر الحياتية، ولذلك لا استدراك عليه لأن فيه تفصيلا لكل شيء. ويقول الحق بعد ذلك:{وهذا كِتَابٌ ... }