وكل نعمة يقول بعدها:{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
وأراد سبحانه بذلك أن يكثر ويردد تكرارها على الآذان لتستقر في القلوب حتى في الآذان الصماء؛ فمرة يأتي بها في شيء ظاهره أنه ليس نعمة، مثل قوله:{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: ٣٥ - ٣٦]
وجاء الحق بذكر كل ذلك؛ لأنه ساعة يجلي لنا الأمور على حقائقها ونحن في دار التكليف فهذه رحمة ونعمة منه علينا؛ لأن ذلك يدعونا إلى اتقاء المحظورات والبعد والتنحي عن المخالفات.
ولله المثل الأعلى من قبل ومن بعد، فحين يدخل الابن إلى المدرسة نقول له: إن قصرت في كذا فسوف ترسب، وأنت بهذا القول ترحمه بالنصيحة، فلم تتركه دون أن تبصره بعواقب الأمور، وأيضا ساعة ترى شراً يحيق بالكافرين، فإن هذا الأمر يسرك، لأنه لو تساوى الكافرون مع المؤمنين لما كان للإيمان فضل أو ميزة، فالعذاب نقمة على الكافر، ونعمة على المقابل وهو المؤمن.
وقد جاءت قصة خلق آدم بكل جوانبها في القرآن سبع مرات؛ لأنها قصة بدء الخلق، وهي التي تجيب عن السؤال الذي يبحث عن إجابته الإنسان؛ لأنه تلفت ليجد نفسه في كون معد له على أحسن ما يكون. ولم يجيء الكون من بعد الإنسان، بل طرأ الإنسان على الكون، وظل السؤال وارداً عن كيفية الخلق،