ولذلك كان جزاء إبليس - وهو المتأبي على أوامر الله وحكمه - أن يطرد من رحمته. وجزاء المعترف بأنه أذنب، وأنه ظلم نفسه أن تُقبل توبته. إذن لا يصح للناس الذين يقيمون على معصية أن يقول الواحد منهم:«هذه هي ظروفي» ، ويبرر ويحلل ما يفعله من المعاصي، بل على الواحد منهم ألا يطرد نفسه بنفسه من منطقة الرحمة، وعليه أن يقول:«ما أفعله، حرام، لكن لا أقدر على نفسي» وبذلك لا يكون قد ردّ الحكم، بل اتهم نفسه بالتقصير واعترف بالذنب، فصار أهلاً للمغفرة وأهلاً للتوبة.
وهنا نسأل: ما الفرق بين معصية إبليس ومعصية آدم؟ . نقول: إبليس عصى وجاء بحيثية رفض الأمر، لكن آدم عصى وأقر بالذنب وطلب المغفرة.
وحين قال آدم وزوجته حواء:{رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} معاً وفي نَفَس واحد، ونغمة حزينة نادمة، ألا يدل ذلك على أنهما قد تعلماها؟ . إن كلا منهما لو اعتذر لله بمفرده لاختلفا في أسلوب الاعتذار.
وهذا دليل على أنها ملقنة، ولهذا قال ربنا. {فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ... }[البقرة: ٣٧]
وهما قد قالا:{رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} ، وأنفسنا جمع نَفْس، ولم يقولا «نفسينا» ، بل قالا {أَنفُسَنَا} أي أن قلبيهما أيضاً قد صفيا وخلصا من أثر تلك المعصية، وأن ذلك مطمور وداخل في نفوس ذريتهما.