إن الشيطان يراكم أيها المكلفون هو وقبيله. والقبيل تدل على جماعة أقلها ثلاثة من أجناس مختلفة أو جماعة ينتسبون إلى أب وأم واحدة. واختلف العلماء حول المراد من هذا القول الكريم؛ فقال قوم:«إنهم جنوده وذريته» . ويقصدون جنوده من البشر، ولم يلتفتوا إلى قول الحق:{مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} فلا بد أن يكون المراد بالقبيل هنا الذرية؛ لأننا نرى البشر، وفي قوله الحق تغليظ لشدة الحذر والتنبه؛ لأن العدو الذي تراه تستطيع أن تدفع ضرره، ولكن العدو الذي يراك ولا تراه عداوته شديدة وكيده أشد، والجن يرانا ولا نراه، وبعض من العلماء علل ذلك لأننا مخلوقون من طين وهو كثيف، وهم مخلوقون من نار وهي شفيفة.
فالشفيف يستطيع أن يؤثر في الكثيف، بدليل أننا نحس حرارة النار وبيننا وبينها جدار، ولكن الكثيف لا يستطيع أن يؤثر في الشفيف ولا ينفذ منه. إذن فنفوذ الجن وشفافيته أكثر من شفافية الإِنسان، ولذلك أخذ خفة حركته. ونحن لا نراه.
إذن معنى ذلك أن الشيطان لا يُرى، ولكن إذا كان ثبت في الآثار الصحيحة أن الشيطان قد رُئى وهو من نار، والملائكة من نور، والاثنان كل منهما جنس خفي مستور، وقد تشكل المَلك بهيئة إنسان، وجاء لرسول الله وقال لنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم» .
وعلى ذلك رأى السابقون المعاصرون لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ جبريل لا على صورة ملائكيّته، ولكن على صورة تتسق مع جنس البشر، فيتمثل لهم مادة. «وقد ثبت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رأى الشيطان وقال:» إن عفريتا من الجن جعل يفتك عليّ البارحة ليقطع عليّ الصلاة، وإن الله أمكنني منه فَذَعَتّهُ فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سوراي المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون «.