انظر إلى دقة التعبير القرآني في قوله تعالى:{مِّنْ أَهْلِ الكتاب} . . فكأن بعضهم فقط هم الذين كانوا يحاولون رد المؤمنين عن دينهم. . ولكن كانت هناك قلة تفكر في الإيمان بمحمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ. . ولو أن الله جل جلاله حكم على كل أهل الكتاب لسد الطريق أمام هذه القلة أن يؤمنوا. . أي أن أهل الكتاب من اليهود يحبون أن يردوكم عن دينكم وهؤلاء هم الكثرة. . لأن الله تعالى قال:{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب} .
وقوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً} . . كفارا بماذا؟ . . بما آمنتم به أو بما يطلبه منكم دينكم. . وهم لا يفعلون ذلك عن مبدأ أو عقيدة أو لصالحكم ولكن:{حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} . . فدينهم يأمرهم بعكس ذلك. . يأمرهم أن يؤمنوا برسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. . ولذلك فهم لا ينفذون ما تأمرهم به التوراة حينما يرفضون الإيمان بالإسلام.
. والذي يدعوهم إلى أن يحاولوا ردكم عن دينكم هو الحسد. . والحسد هو تمني زوال النعمة عمن تكره. . وقوله تعالى:{حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} . . أي هذه المسألة من ذواتهم لأنهم يحسدون المسلمين على نعمة الإيمان. . ويتمنون زوال هذه النعمة. . التي جعلت من المسلمين إخوانا متحابين متكاتفين مترابطين. . بينما هم شيع وأحزاب. . وهناك حسد يكون من منطق الدين وهذا مباح. . ولذلك يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فَسُلِّط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس»
فكأن الحسد حرام في غير هاتين الحالتين. . فكأن هؤلاء اليهود يحسدون المسلمين على دينهم. . وهذا الحسد من عند أنفسهم لا تقره التوراة ولا كتبهم. . وقوله سبحانه:{مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحق} . . أي بعد ما تأكدوا من التوراة من شخصية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأنه النبي الخاتم.
وقوله تعالى:{فاعفوا واصفحوا حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} . . ما هو العفو وما هو الصفح؟ . . يقال عفت الريح الأثر أي مسحته وأزالته. . فالإنسان حين