وسيدنا نوح عليه السلام دعا قومه ونبههم إلى ثلاثة أشياء: عبادة الله، فقال:{يَاقَوْمِ اعبدوا الله} ، وبين لهم أنه ليس هناك إله سواه فقال:{مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} ، وأظهر لهم حرصه وإشفاقه عليهم إذا خالفوا وعصوا فقال:{إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} .
وهكذا تكلم عن العقيدة في الإِله الواحد المستحق للعبادة، وليس آلهة متعددة، ونعبده أي نطيع أمره ونهيه، ولأنهم إن لم يفعلوا ذلك فهو يخاف عليهم من عذاب يوم عظيم، وهو عذاب يوم القيامة. أو أنّ الله كان قد أوحى له بأنه سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وعذاب يوم عظيم أي يوم الإِغراق، و «الخوف» مسألة تتعب تفكير من يستقبلها ويخاف أن يلقاها. فمن الذي يفزع بهذا؟
إن الذي يفزع هم الطغاة والجبابرة والسادة والأعيان ووجوه القوم، وكانوا قد جعلوا من أنفسهم سادة، أما سائر الناس وعامتهم فهم العبيد والمستضعفون. والذي يهاج بهذه الدعوة هم السادة لأنه ليس هناك إلا إله واحد، والأمر لواحد والنهي لواحد والعبادة والخضوع لواحد، ومن هنا فسوف تذهب عنهم سلطتهم الزمنية، لذلك يوضح الحق لنا موقف هؤلاء من الدعوة حين يقول:{قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ ... }