الذي لا ينتفع بطاعاتنا أو بعبادتنا، ولا تعود عليه العبادة بشيء، بل تعود علينا، والعبادة فيها مشقات لأنها تلجم الشهوات وتعقل وتمنع من المعاصي والمحرمات، ولكن يُقابِل ذلك الثوابُ في الآخرة.
وهناك من قال: ولماذا لا يعطينا الثواب بدون متاعب التكليف؟ مادام لا يستفيد. إنّ العقل كاف ليدلنا - دون منهج - إلى ما هو حسن فنفعله، وما نراه سيئاً فلا نفعله، والذي لا نعرفه أهو حسن أم سيىء. ونضطر له نفعله، وإن لم نكن في حاجة له لا نفعله.
ونقول لها القائل: لكن من الذي أخبرك أن العقل كاف ليدلنا إلى الأمر الحسن، هل حسّن لك وحدك أم لك وللآخرين؟ فقد يكون الحسن بالنسبة لك هو السوء بالنسبة لغيرك لأنك لست وحدك في الكون. ولنفترض أن هناك قطعة قماش واحدة، الحسن عندك أن تأخذها، والحسن عند غيرك أن يأخذها. لكن الحُسْن الحقيقي أن يفصل في مسألة ملكية هذه القطعة من القماش مَن يعدل بينك وبين غيرك دون هوى. وألاّ يكون واحد أولى عنده من الآخر. إذن لابد أن يوجد إله يعصمنا من أهوائنا بمنهج ينزله يبين لنا الحسن من السيء؛ لأن الحسن بالمنطق البشري ستصدم فيها أهواؤنا.
ومثال آخر: افرض أننا دخلنا مدينة ما، ورأينا مسكنا جميلا فاخرا وكل منا يريد أن يسكن فيه وكل واحد يريد أن يأخذه؛ لأن ذلك هو الحسن بالنسبة له، لكن ليس كذلك بالنسبة لغيره، إذن فالحسن عندك قد يكون قبيحاً عند الغير.
فالحسن عند بعض الرجال إذا رأى امرأة أن ينظر إليها ويتكلم معها، لكن هل هذا حسن عند أهلها أو أبيها أو زوجها؟ لا.
إنّ الذي تعجبتم منه كان يجب أن تأخذوه على أنه هو الأمر الطبيعي الفطري الذي تستلزمه المقدمات. فقد جاءكم البلاغ على لسان رجل منكم. ولماذا لم يقل الحق: لسان رجل؟ إننا نعلم أن هناك آية ثانية يقول فيها الحق:{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ ... }[آل عمران: ١٩٤]