إذن فالفاء مناسبة هنا، لكن في مسألة قوم هود نجد أن سيدنا هوداً قال لهم مرة أو اثنتين أو ثلاث مرات، لكن بلا استمرار وإلحاح، وهذا يوضح لنا أن إلحاح نوح على قومه يقتضي أن يأتي في سياق الحديث عنه ب:«فقال» وألا تأتي في الحديث عن دعوة سيدنا هود. وقد يتعجب الإِنسان لأن مدة هود مع عاد لا تساوي مدة نوح مع قومه، وقد جاء الإِيضاح بزمن رسالة سيدنا نوح في قوله الحق:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ... }[العنكبوت: ١٤]
ظل سيدنا نوح قُرابة ألف سنة يدعو قومه ليلاً ونهاراً سرًّا وعلانية، لكنهم كانوا يفرون من الإِيمان، لذلك يأتي الحق في أمر دعوة نوح بالفاء التي تدل على المتابعة. أما قوم عاد فلم يأت لهم «بالفاء» . بل جاء ب «قال» : {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ ... }[الأعراف: ٦٥]
وقال نوح من قبل:{ ... يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الأعراف: ٥٩]
وفي مسألة قوم عاد قال:{يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} .
ومع أن الأسلوب واحد والمعاني واحدة، وكان ذلك يقتضي الإِنذار، لكن لم يقل الحق ذلك؛ لأن نوحاً عنده علم بالعذاب الذي سوف ينزل؛ لأنها كانت أول تجربة، لكن سيدنا هود لم يكن عنده علم بالعذاب.