العودة إلى مثل هذه الملة لون من الكذب المتعمد على الله. لأن الكذب أن تقول كلاماً غير واقع، وتعلن قضية غير حقيقية ثم قلت على مقتضى علمك فهذا مطلق كذب. لكن إن كنت عارفاً بالحقيقة ثم قلت غيرها فهذا افتراء واختلاق وكذب. والذين آمنوا مع شعيب عليه السلام يعلمون أن الملة القديمة ملة باطلة، وهم قد شهدوا مع شعيب حلاوة الإِيمان بالله؛ لذلك رفضوا الكذب المتعمد على الله. ويقولون بعد ذلك:{بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ... }[الأعراف: ٨٩]
قد عرفوا أن التكليف اختيار وهم قد اختاروا الإِيمان، وأقروا وأكدوا إيمانهم بأنه سبحانه له طلاقة القدرة، فقالوا:{إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} . فمشيئته سبحانه فوق كل مشيئة. ألم يقل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«إن قلوب بني آدم كلَّها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقَلْبٍ واحدٍ يصرفُه حيث شاء» .
وألم يقل سيدنا إبراهيم وهو أبو الأنبياء والرسل:{واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ... }[إبراهيم: ٣٥]
لم يقل: واجنبنا. بل قالها واضحة ودعا ربًّه أن يبعده وينأى به وببنيه أن يعبدوا الأصنام، لأنه يعلم طلاقة قدرته سبحانه. إذن فمن آمنوا مع شعيب احترموا طلاقة القدرة في الحق؛ لذلك قالوا:{وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله رَبُّنَا ... }[الأعراف: ٨٩]
ولكن الله لا يشاء لمعصوم أن يعود، وسبحانه يهدي من آمن بهداية الدلالة ويمده بالمزيد من هداية المعونة إلى الطريق المستقيم.