والآيات التي بعث الله بها موسى هي أدلة صدق النبوة، وهي أيضاً الكلمات المعبرة عن المنهج ليشاهدها ويسمع لها فرعون وملؤه، والملأ - كما عرفنا من قبل - هم القوم الذين يملأون العيون هيبة، فلا يقال للناس الذين لا يلتفت إليهم أحد إنهم ملأ، أو هم الأناس الذين يملأون صدور المجالس، أي الأشراف والسادة. ولماذا حدد الحق هنا أن موسى قد بعث لفرعون وملئه فقط؟ لأن الباقين من أتباعهم تكون هدايتهم سهلة إن اهتدى الكبار، والغالب والعادة أن الذي يقف أمام منهج الخير هم المنتفعون بالشر، وهم القادة أو من حولهم، ولا يرغبون في منهج الخير لأنه يصادم أغراضهم، وأهواءهم، ولذلك يحاربونه، أما بقية العامة فهم المغلوبون على أمرهم، وساعة يرون أن واحداً قد جاء ووقف في وجه الذين عضوهم بمظالمهم وعضوهم بطغيانهم، تصبح قلوبهم مع هذا المنقذ! {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم موسى بِآيَاتِنَآ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ... }[الأعراف: ١٠٣]
وإن كانت الآيات هي الكلمات المؤدية للمنهج الموجودة في التوراة، أو كانت الآيات هي المعجزات التي تدل على صدق موسى فقد كان ذلك يقتضي إيمانهم. ونعلم أن القرآن قد عدد الآيات المعجزات التي أرسلها الحق مع موسى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ... }[الإِسراء: ١٠١]
ومن هذه الآيات العصا، واليد يدخلها في الجيب أو تحت جناحه وإبطه وتخرج بيضاء من غير سوء أو علة، وأخذ آل فرعون بالسنين، وكلمة «سنين» تأتي للجدب الشديد الذي يستمر لفترة من الزمن بحيث يلفت الناس إلى حدثٍ في زمان، ولذلك نقول: كانت سنة عصيبة؛ لأن السنة عضة من الأحداث، تهدم ترف الحياة، ثم تأتي لهم بما يهدم مقومات الحياة، وأولها الطعام والشراب فيصيبهم بنقص الثمرات، وهو الجدب والقحط، وسمي الجدب سنة، وجمعه سنين، لأنه شيء يؤرخ به، فماذا كان استقبال فرعون وملئه للآيات التي مع موسى عليه السلام؟ يقول الحق:{فَظَلَمُواْ بِهَا} .
وهل كانت الآيات أداة للظلم أو ظلموا بسببها لأنهم رفضوها كمنهج حياتي؟ .