لك؛ لأن النار إشعاعات تنفذ من الأشياء، ولأن الجن مخلوق من نار، لذلك نجد له هذه الخاصية. {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ... }[الأعراف: ٢٧]
فإذا كان الجن له قانون والإِنس له قانون، فهل القانون هو الذي يسيطر؟ لا، بل رب القانون هو الذي يسيطر لأنه جل وعلا فوق القانون. فيأتي الله للإِنس ويُعَلّم واحداً منهم بعضاً من أسرار كونه ليستذل الجن لخدمته، برغم ما للجن من خفة حركة، فسبحانه يوضح: لا تظن أيها الجن أنك قد أخذت خصوصيتك من العنصر الذي يكونك لأن هناك القادر الأعلى وهو المعنصر لك ولغيرك، بدليل أن الإِنسان وهو من عنصر آخر يتحكم فيك بعد أن علمه الله بعضاً من أسرار كونه. ولننتبه دائماً أن العلم بأسرار تسخير الجن هو من ابتلاءات الحق للخلق؛ لأنه سبحانه وتعالى يقول:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حتى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ... }[البقرة: ١٠٢]
فكأن هاروت وماروت وهما يعلّمان الإِنسان كيف يمارس السحر، ينصحان الإِنسان الذي يرغب في أن يتعلم السحر أولاً، ويوضحان له أنهما فتنة أي ابتلاء واختبار ويقولان له:{فَلاَ تَكْفُرْ} ، مما يدل على أن كل من يتعلم السحر؛ إن قال لك: إني سأستعمله في الخير فهو كاذب؛ لأنه يقول ذلك ساعة صفاء نفسه تجاه الخلق، لكن ماذا إن غافله إنسان من أي ناحية وغلبه على بعض أمره وهو يملك بعضاً من أسرار السحر؟ هل يقدر على نفسه؟ لقد قال إنه أمين وقت التحمل، لكن هل يظل أميناً وقت الأداء؟ إن من يتعلم السحر قد يستخدمه في الانتقام من غيره، وبذلك يضيع تكافؤ الفرص، ونعلم أن تكافؤ الفرص هو الذي يحمي الناس، ويعطي بعضهم الأمن من بعض، ويُلزم كل إنسان حدّه.
فإذا أخذ إنسان سلاحاً ليس عند غيره فقد يستخدمه ضد من لا يملك مثله، والإِنسي الذي يأخذ سلاح استخدام الجن إنما يأخذ سلاحاً لا يملكه أخوه