فرعون وقومه فيأتوا وراءكم ليلحقوا بكم، فإذا ما دخلوا واستوعبهم اليابس؛ أعدنا سيولة الماء واستطراقه فيغرقون؛ ليثبت الحق أنه ينجي ويهلك بالشيء الواحد، وكل ذلك يجمله الحق هنا في قوله:{فانتقمنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليم} . و «اليم» هو المكان الذي يوجد به مياه عميقة، ويطلق مرة على المالح، ومرة على العذب، فمثلاً في قصة أم موسى، يقول الحق:{وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم ... }[القصص: ٧]
وكان المقصود باليم هناك النيل، لكن المقصود به هنا في سورة الأعراف هو البحر. ويأتي سبب الإِغراق في قوله:{بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} .
كيف إذن يعذبهم ويغرقهم نتيجة الغفلة، ونعلم أن الغفلة ليس لها حساب؟ بدليل أن الصائم قد يغفل ويأكل ويصح صيامه. ويقال إن ربنا أعطى له وجبة تغذيه بالطعام وحسب له الصيام لأنه غافل. لكن هنا يختلف أمر الغفلة؛ فالمراد ب «غافلين» هنا أنهم قد كانوا قد كذبوا بآيات الله ثم أعرضوا إعراضاً لا يكون إلا عن غافل عن الله وعن منهجه، ولو أنهم كانوا عباداً مستحضرين لمنهج الله لما صح أن يغفلوا، وهذا القول يحقق ما سبق ان قاله سبحانه:{عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ... }[الأعراف: ١٢٩]
ثم يأتي بعد ذلك القول الذي يحقق ما سبق أن قاله سبحانه:{وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}[الأعراف: ١٢٩]
ويقول الحق تأكيداً لذلك:{وَأَوْرَثْنَا القوم الذين ... }