للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ ... } [طه: ٤٧]

لأن كلاًّ منهما رسول، وقول الحق: {وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ} فيه التحنن، أي أنني لي بك صلة قبل أن تكون شريكاً لي في الرسالة فأنا أخ لك وأنت أخ لي، ومن حقي عليك أن تسمع كلامي وتخلفني. فالأخوة مقرونة بأنك شريك معي في الرسالة إذن نجد أن موسى قد قدم حيثية الأخوة والمشاركة في الرسالة. وأكد موسى عليه السلام بكلمة «قومي» أنهم أعزاء عليه، ولا يريد بهم إلا الخير الذي يريده لنفسه، فإذا جاءكم بأمر فاعلموا أنه لصالحكم، وإذا نهاكم نهيّا فاعلموا أن موسى هو أول من يطبقه على نفسه.

وقيل كان موسى عليه السلام قد قام بإعداد نفسه للقاء ربه، ولابد أن يكون الإِعداد بطهر وبتطهير وبتزكية النفس بصيام، فصام ثلاثين يوماً، وبعد ذلك أنكر رائحة فمه، فأخذ سواكاً وتسوك به ليذهب رائحة فمه، فأوضح الحق سبحانه له: أما علمت يا موسى أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك. وما دمت قد أزلت الخلوف وأنا أريد أن تقبل عليّ بريح المسك فزد عشرة أيام؛ حتى تأتي كذلك. وقال بعض العلماء: إن تفصيل الأربعين إلى ثلاثين وإلى عشرة، لأن الثلاثين يوماً هي الأيام التي عبد فيها القوم بعد موسى العجل، فكان ولابد أن تكون هناك فترة من الفترات؛ حتى يميز الله الخبيث من الطيب. {وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} [الأعراف: ١٤٢]

وهنا أمر ونهى «أصلح» هي أمر، و «لا تتبع» هي نهي، ونعرف أن كل تكاليف الحق سبحانه وتعالى محصورة في «افعل كذا» ، و «لا تفعل كذا» ، ولا يقول الحق للمكلَّفين: «افعلوا كذا» إلا إذا كانوا صالحين للفعل ولعدم الفعل، وإن قال لهم: «لا تفعلوا» فلابد أن يكونوا صالحين للفعل ولعدم الفعل، ولذلك أوضحنا من قبل ان الله ركز كل التكاليف في مسألة آدم وحواء في الجنة فقال: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} ، وكان هذا هو الأمر. وقال: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} ، وهذا نهي: {وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} .

<<  <  ج: ص:  >  >>