وهنا في كلام موسى نقول إن الكلام وقع فيه من وراء حجاب وهنا نمسك عن الخوض فيما وراء ذلك لأنه غيب لم يكشف لنا عنه ونترك الأمر فيه الله.
وقد سبق أن قلنا: إن صفات الله لا يوجد مثلها في البشر. فليس وجود الإِنسان كوجود الله، وليس غنى الإِنسان كغنى الله، وكذلك لن يكون أبداً كلامك ككلام الله، لأن كل شيء يخص الله إنما نأخذه في إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . وقد بين الحق سبحانه وتعالى أن كلامه لموسى تميز لموسى، ولذلك يقول الحق:{إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي ... }[الأعراف: ١٤٤]
ويجب أن نأخذ كل وصف يوجد في البشر، ويوجد مثله. في وصف الله مثل «استوى» ، و «جلس» و «وجه» ، و «يد» نأخذ كل ذلك في إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . {وَلَمَّا جَآءَ موسى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ ... }[الأعراف: ١٤٣]
وحينما خص الله موسى بميزة أن تكلم إليه، حصل من موسى استشراق اصطفائي، وكأنه قال لنفسه: مادام قد كلمني فقد أقدر أن أراه؛ لأن استطابة الأنس تمد للنفس سبل الأمل في الامتداد في الأشياء مثلما قال موسى من قبل رداً على سؤال الله:{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى}[طه: ١٧]
كان الجواب يكفي أن يقول:«عصا» لكنه قال: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي ... }[طه: ١٨]
قال ذلك على الرغم من أن الحق لم يسأله: ما تفعل بها؟ وأراد بالكلام أن