للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإِنسان، وأصلب منه وأشد، ولما تجلّى ربه للجبل اندك. والدكُّ هو الضغط على شيء من أعلى ليسوَّي بشيء أسفل منه. والحق هو القائل: {كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً دَكّاً} [الفجر: ٢١]

وهنا في موقف موسى وحواره مع الله يتأكد لنا أن الله تجلى على خلق من خلقه، ولكن أيقدر المتجلَِّي عليه على هذا التجلي أم لا يقدر؟ . إن أقدره الله فهو يقدر، أما إن لم يقدره الله فلن يقدر. والجبل هو الأصلب، فلما تجلى له ربه اندك، إذن فمن الممكن أن يتجلى الله على بعض خلقه، ولكن المهم أيقوى المستقبل للتجلي أو لا يقوى؟ ولم تقو طبيعة موسى على التجلي لله بدليل أن الأقوى منه لم يقو. وبعد ذلك أراد الله أن يلفتنا لفتة تصاعدية. ويبين لنا أن موسى قد صعق لرؤية المتجلَّى عليه فكيف لو رأى المتجلِّي؟!! {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسى صَعِقاً} . ويقال: خر الشيء إذا سقط من أعلى إلى أسفل، ويقول الحق في آية قرآنية: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فاستغفر رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً ... } [ص: ٢٤]

والحق يخبرنا هنا: {وَخَرَّ موسى صَعِقاً} ، وصعقه تُطلق ويراد بها الوفاة، ولكن هنا صعقة أخرى تعبر عن الإِغماءة الطويلة. وصعقة الوفاة يقول فيها الحق سبحانه: { ... فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: ٦٨]

إذن النفخة الأولى لصعق وموت الجميع، ثم تأتي النفخة الثانية للبعث. وهنا يقول الحق: {فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} .

وهذا يدل على أن الصعقة ليست هي الصعقة المميتة، وأفاق سيدنا موسى من الصعقة، وانتبه إلى أنه لم يكن من اللائق أن يطلب الرؤية المباشرة لله. وكما نقول: «فلان فاق

<<  <  ج: ص:  >  >>