إذن وجه الصرف أن يسلط الحق عليه من الكبر ما يجعله غير قادر على وزن الآية بالميزان الصحيح لها، والمتكبر هو من ظن أن غيره أدنى منه وأقل منزلة، ومقومات الكبر قد تكون قوة، لكن ألم يرَ المتكبر قويًّا قد ضعف؟ وقد يكون الثراء من مقومات التكبر، لكن ألم يرَ المتكبر غنيًّا قد افتقر؟ أو يكون المتكبر صاحب جاه، ألم يرَ ذا جاه صار ذليلاً؟ .
إذن فمن يتكبر، عليه أن يتكبر بشيء ذاتي لا يُسْلَب منه أبداً. فإذا ما أردت أن تطبق هذا على البشر فلن تجد واحداً يستحق أن يكون متكبراً أبداً؛ لأنه لا يوجد في الإِنسان خاصية ذاتية فيه تلازمه ولا تفارقه أبداً، بل كلها موهوبة، ومن الأغيار التي تحدث وقد تزول. فكلها من الله وليست أموراً ذاتية؛ لأن القوة فيك إن كانت ذاتية فحافظ عليها، ولن تستطيع. وإن كان الثراء ذاتيًّا فحافظ على غناك أبداً، ولن تستطيع. وإن كانت العزة ذاتية فحافظ على عزتك أبداً ولن تستطيع. إذن فمقومات الكبرياء في البشر غير ذاتية.
وقوله سبحانه:{يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} يفيد أن هناك كبرياء بحق لمن يملك في ذاته كل عناصر القوة والثراء والجاه والعزة، ولذلك فالكبرياء لله وحده. واعلموا أن كل متكبر في الأرض لا يخطر الله بباله؛ لأنه لو خطر الله بكماله وجلاله في باله لتضاءل؛ لأن الله يخطر فقط ببال المتواضعين من الناس، ولذلك نضرب هذا المثل: إننا نجد من حولنا إنساناً هو الرئيس الأعلى، وهناك رئيس لطائفة ومرؤوس لآخر، وهناك مرؤوس فقط. والرئيس المرؤوس لا يستطيع أن يجلس مع المرؤوسين له بتكبر ويضع ساقاً على ساق ويعطي أوامر؛ لأنه قد يلتفت فيجد رئيسه وقد دخل عليه. فلو فعل الرئيس المرؤوس ذلك لضحك منه المرؤوسون له.
فكذلك الناس الذين لا يستحضرون الله في بالهم نجدهم مثار سخرية، لكن الذين يستحضرون الله الذي له الكبرياء في السموات والأرض لا يتكبرون أبداً.
إنه سبحانه يصرف عن المتكبرين النظر في الآيات الكونية فلا يعتبرون، ويصرف عنهم تصديق الآيات الدالة على نبوة الأنبياء، ويصرف عنهم القدرة على تصديق أحكام القرآن، ويطبع على قلوبهم، فما بداخل هذه القلوب من الكفر