للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقول موسى {أَنتَ وَلِيُّنَا} أي ناصرنا، والأقرب إلينا، فإن ارتكب الإِنسان منا ذنباً فأنت أولى به، إنك وحدك القادر على أن تغفر ذنبه؛ لذلك يقول موسى: {فاغفر لَنَا} ، ونعلم من هذا أنه يطلب درء المفسدة أولاً لأن درءها مقدم على جلب المصلحة، فقدم موسى عليه السلام طلب غفر الذنب، ثم طلب ودعا ربّه أن يرحمهم، وهذه جلب منفعة. وقد قال ربنا في مجال درء المفسدة: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار} وهذا درء مفسدة وهو البعد عن النار: {وَأُدْخِلَ الجنة} . وهذا جلب منفعة ومصلحة.

إذن فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، - وعلى سبيل المثال - إنك ترى تفاحة على الشجرة، وتريد أن تمد يدك لتأخذها، ثم التفت فوجدت شابًّا يريد أن يقذفك بطوبة، فماذا تصنع؟ انت في مثل هذه الحالة الانفعالية تدفع الطوبة أولاً ثم تأخذ التفاحة من بعد ذلك. وهذا هو درء المفسدة المقدم على جلب المصلحة، وهنا درء المفسدة متمثل في قول موسى: {فاغفر لَنَا} ثم قال بعد ذلك: {وارحمنا} وهذا جلب مصلحة، والقرآن يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ ... } [الإِسراء: ٨٢]

لأن الداء يقع أولاً، وحين تذهب لمنهج القرآن يشفيك من هذا الداء، والرحمة ألاَّ يجيء لك داء بالمرة. فإذا أخذت القرآن لك نصيراً فلن يأتي لك الداء أبداً. { ... فاغفر لَنَا وارحمنا وَأَنتَ خَيْرُ الغافرين} [الأعراف: ١٥٥]

ومثلها مثل قول الحق سبحانه: {خَيْرُ الرازقين} ، و {خَيْرُ الماكرين} ، و {خَيْرُ الوارثين} و {خَيْرُ الغافرين} هنا؛ لأن المغفرة قد تكون من الإِنسان للإِنسان، ولكنا نعرف أن مغفرة الرب فوق مغفرة الخلق؛ لأن الغافر من البشر قد يغفر رياء، وقد يغفر سمعة، قد يغفر لأنه خاف بطش المقابل. لكنه سبحانه لا يخاف من أحد، وهو خير الغافرين من غير مقابل.

ويقول الحق بعد ذلك:

<<  <  ج: ص:  >  >>