ظاهره أنه ذنب ثم بينت العذر في فعله، كأن تقول: لقد جعلتني انتظرك طويلاً وتأخرت في ميعادك معي. انت تقول ذلك لصديق لك لأنه أتى بعمل مخالف وهو التأخر في ميعادٍ ضربه لك. فيرد عليك: تعطلت مني السيارة ولم أجد وسيلة مواصلات، وهذا عذر. إذن فمعنى» العذر «هو إبداء سبب لأمر خالف مراد الغير. ولذلك يقال: أعذر من أنذر، والحق يقول:{وَجَآءَ المعذرون مِنَ الأعراب ... }[التوبة: ٩٠]
ونعلم أيضاً أن هناك مُعْذِراً. والمُعَذِّر هو من يأتي بعذر كاذب، والمُعْذِر هو من يأتي بعذر صادق. وقال الواعظون: نحن نعظهم، وأنتم حكمتم بأن العظة لا تنفع معهم لأنهم اختاروا أن يهلكهم الله ويعذبهم ولكنا لم نيأس، وعلى فرض أننا يئسنا من فعلهم، فعلى الأقل قد قدمنا لربنا المعذرة في أننا عملنا على قدر طاقتنا.
وكلمة» وَعْظ «تقتضي أن نقول فيها: إن هناك فارقاً بين بلاغ الحكم، والوعظ بالحكم؛ فالوعظ أن تكرر لموعوظ ما يعلمه لكنه لا يفعله. كأن تقول لإِنسان: قم إلى الصلاة، هو يعلم أن الصلاة مطلوبة لكنه لا يقوم بأدائها.
إذن فالوعظ معناه تذكير الغافل عن حكم، ومن كلمة الوعظ نشأت الوعَّاظ. وهم من يقولون للناس الأحكام التي يعرفونها، ليعملوا بها، فالوعاظ إذن لا يأتون بحكم جديد.
وبعض العلماء قال: إن قول الحق: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ} ليس مراداً به الفئة التي لم تفعل الذنب ولم تعظ، إنما يراد به الفئة الموعوظة، كأن الموعوظين قالوا: إن ربنا سيعذبنا فلماذا توعظوننا؟ . ونقول: لا؛ لأن عجز الآية ينافي هذا. فالحق يقول:{مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .
ومجيء» لعلهم «يؤكد أن هذا خبر عن الغير لا أنَّه من الموعوظين.