لكن جواري لأبي دلف بألف دينار، فبلغ هذا الكلام أبا دلف فقال: إن رجلاً قدر جوارنا بعشرة أمثال ما قدر به داره لحقيق ألا يفرّط فيه. قالوا له: فليبق جاراً لنا وليأخذ ما يريد من مال.
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الكتاب} . والكتاب هو التوراة، والخَلْف أخذوه ميراثاً، والشيء لا يكون ميراثاً إلا إذا حمله السابق بأمانة وأدّاه للاحق، ولكن لأنهم أهل إفساد فلنر ماذا فعلوا في الكتاب؟ لقد ورثوه. وبُلِّغ إليهمُ وعرفوا ما فيه. {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ... }[الأعراف: ١٦٩]
أي لا حجة لهم في ألاّ يكونوا أصحاب منهج خير، لكنهم لم يلتفتوا إلى ما في الكتاب - التوراة - من المواثيق، والحلال، والحرام، وافعل كذا ولا تفعل كذا؛ لم يلتفتوا لكل هذا؛ لأنهم قالوا لأنفسهم: إن هذا الكتاب يعطي النعيم البعيد في الآخرة، وهم يريدون النعيم القريب، فمنهم من قبل الرشوة واستغلال النفوذ. وبذلك أخذوا عَرَضَ الحياة الأدنى وهو عرض الدنيا. ولم يأخذوا إدارة الدنيا بمنهج الله، والدنيا فيها جواهر أو أعراض، والجوهر هو الشيء الذاتي، فالإِنسان بشحمه ولحمه «جوهر» أما لونه إن كان أسمر أو أبيض فهذا عَرَض، قصيراً أو طويلاً، صحيحاً أو مريضاً، وغنيًّا أو فقيراً فهذا عرض.
إذن فالأعراض هي ما توجد وتزول، والجواهر هي التي تبقى ثابتة على قدر ما كتب لها من بقاء، وكما يقول علماء المنطق: الجوهر ما قام بنفسه، والعَرَض ما قام بغيره.
وهم قد أخذوا العرض من الحياة الدنيا، وعرض الدنيا قد يتمثل في المال الحرام، وأن يغشوا ويستحلوا الرشوة. ونعلم أن الإِنسان - حتى المؤمن - قد تحدث منه معصية ولا يمنع ربنا هذا؛ لأن المشرع الأعلى حين يشرع عقوبة لجريمة، فهذا إذْنٌ بأنها قد تحدث، وحين يقول الحق:{والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا ... }[المائدة: ٣٨]
إنَّ معنى هذا القول أن المؤمن قد تسول له نفسه أَنْ يسرق مثلاً، ولم يترك