ما فيه، وقد أخذ الله في هذا الكتاب الميثاق عليهم ألا يقولوا على الله إلا الحق، والحق يقول هنا:{وَأَقَامُواْ الصلاة} فهل هذا الكتاب ليس فيه إلا الصلاة؟ لا، ولكنه خص الصلاة بالذكر. لأننا نعلم أن الصلاة عماد الدين، وعرفنا في رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن الصلاة قد فرضت بالمباشرة، وكل فروض الإِسلام - غير الصلاة - قد فرضت بالوحي.
لقد قلنا من قبل ولله المثل الأعلى، إن رئيس أي مصلحة حكومية حين يريد أمراً عادياً رُوتينياً، فهو يوقع الورق الذي يحمل هذا الأمر ويكتب عليه:«يعرض على فلان» ويأخذ الورق مجراه، وحين يهتم بأمر أكثر، فهو يتحدث تليفونياً إلى الموظف المختص، وحين يكون الأمر غاية في الأهمية القصوى فهو يطلب من الموظف أن يحضر لديه، وهكذا فرضت الصلاة بهذا الشكل لأنها الإِعلان الدائم للولاء لله خمس مرات في اليوم، وإن شئت أن تزيد على ذلك تنفلا وتهجداً فعلت.
إنك بالصلاة توالى الله بكل أحكامه، إنك توالي الله بالزكاة كل سنة، وبالصوم في شهر واحد هو رمضان، وبالحج مرة واحدة في العمر إن استطعت. لكن الصلاة ولاء دائم متجدد، ولأن الصلاة لها كل هذه الأهمية؛ لذلك لا تسقط أبداً. وأركان الإِسلام - كما نعلم - خمسة؛ شهادة أن لا إله إلا اله وأن محمداً. رسول الله، إنها الإِيمان بالله وبالرسول كوحدة واحدة لا تنفصل، ويكفي أن ينطقها الإِنسان مرة لتكتب له، ثم تأتي أركان الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والحج ليس ركناً مفروضاً إلا على من يستطيعون. قد لا يكون للإِنسان مال يخرج عنه الزكاة؛ فلا يجب عليه إخراج شيء حينئذ، وقد يكون الإِنسان مريضاً أو مسافراً فلا يصوم.
إذن فبعض فروض الإِسلام قد تسقط عن المسلم، إلا الصلاة فهي لا تسقط أبداً؛ لأن في الصلاة في ظاهر الأمر قطعا لبعض الوقت عن حركة عملك، وإن كان كل فرض يأخذ مثلاً نصف ساعة، فالإِنسان يقتطع من وقته ساعتين ونصف الساعة كل يوم في أداء الصلاة. والوقت عزيز عند الإِنسان. ففي الصلاة بذل لبعض الوقت الذي يستطيع أن يكسب الإِنسان فيه مالاً، وفيها أيضا الصوم عن الأكل والشرب ومباشرة الزوجات، ففيها كل مقومات أركان الإِسلام، لذا فهي لا تسقط أبدا.