بعض الأمور، وله جهة قهر في البعض الآخر، فهو يشارك الكون في القهر، ويتميز عن بقية المخلوقات - عدا الجن - بالاختيار في أمور أخرى. ونجد على سبيل المثال أن الإنسان الذي يعاني قلبه من ضعف ما، عندما يصعد هذا الإنسان سلماً ينهج ويتتابع نَفَسه من الإعياء وكثرة الحركة، لأنّ غريزته المحكوم بها تُنبه الجسد إلى ضرورة أن تعمل الرئة أكثر لتعطي الأوكسجين الذي يساعد على الصعود.
ومثال آخر، نجد الذكر في الحيوانات يقترب من أنثاه ليشمها، فإن وجدها حاملاً لا يقربها، والحيوان في هذا الأمر مختلف عن الإنسان؛ لأن الحيوان تحركه الغريزة التي تبين له أن العملية الجنسية بين الذكر والأنثى لحفظ النوع، ومادامت الأنثى قد حملت، فالذكر لا يقربها، فاختلف الإنسان عن الحيوان في هذا الأمر؛ فلذة الإنسان في الجنس أعلى من لذة الحيوان؛ لأنها في الحيوان ترضخ للغريزة فحسب، أما في الإنسان فإنها مع الغريزة ترضخ أيضا للاختيار الذي منحه الله للإنسان.
ومن رحمة الله - إذن - أن يكون الإنسان مقهوراً في بعض الأشياء ومختاراً في أشياء أخرى، ب «افعل» و «لا تفعل» حتى يختار بين البديلات.
وهنا يقول الحق:{خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّة}
أي خذوا ما آتاكم في الكتاب بجد واجتهاد. وكان هذا القول مقدمة لما جاء به العلم في شرح معنى القوة. وقد وصل إلينا خبر العلم قبل أن يصل لنا واقعه المادي، فصرنا نرى الطاقة التي تعطي القوة. وجاء نيوتن ليكشف لنا قانون الجاذبية، القانون الأول والثاني والثالث، واكتشف أن كل جسم يظل على ما هو عليه، فإن كان ساكناً يبق على سكونه إلى أن يأتي محرك يحركه. وإن كان الجسم متحركاً فهو لا يتوقف إلى أن يصدمه صادم أو يمسكه ماسك. وسمّى العلماء هذا التأثير بالقصور الذاتي. أو التعطل، أي أن الساكن يُعَطّلُ عن الحركة إلا أن يحركه محرك، والمتحرك يُعَطّلُ عن السكون إلا أن يوقفه موقف، فأنت إذا ركبت سيارة وأنت قاعد وساكن والسيارة تسير، فإنك تظل ساكناً، إلى أن يوقفها السائق فجأة فتتحرك من مكانك ما لم تمسك بشيء.