ذلك بدقة، إن الرب هنا هو الآخذ، وبنو آدم مأخوذ منهم، والمأخوذ هو الذرية. وبنو آدم هم أولاد آدم من لدنه إلى أن تقوم الساعة، وهنا اتحد المأخوذ والمأخوذ منه، ولابد أن نرى تصريفاً في هذا النص؛ لأنه يشترط أن يكون المأخوذ منه كلاً، والمأخوذ بعضه.
والمثال: إن أنا أخذتُ منك شيئاً، فالمأخوذ منه هو الكل، والمأخوذ بنفسه هوالبعض. لكننا هنا نجد المأخوذ هو عين المأخوذ منه، وأزال سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هذا الإشكال في هذه الآية فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيما يرويه أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:
«لما خلق الله أدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وميضاً من نور ثم عرضهم على آدم، فقال: أيْ رَبَّ. من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك. فرأى رجلاً منهم. فأعجبه وميض ما بين عينيه. فقال: أي رب. من هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك، يقال له داود، فقال: رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة. قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة، فلما قُضي عُمُر آدم جاءه ملك الموت. فقال: أو لم يَبْقَ من عُمُري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدمُ فجحدتُ ذُريته، ونسي فنسيت ذريته. وخطئ آدم فخطئت ذريته»
إذن ذرية آدم أُخذت من ظهر آدم. وعرفنا من قبل أنّ كُلاً منا قبلَ أن تحملَ به أمّه كان ذَرَّةً في ظهر أبيه، وأبوه كان ذرّة في ظهر أبيه حتى آدم. وهكذا نجد أنَّ كل واحد مأخوذ من ظهره ذرية، هناك أناس يؤخذون - كذرية - ولا يؤخذ منهم، مثًل من فرض عليهم الله أن يكون الواحد منهم عقيماً، وكذلك آخرُ جيل تقومُ عليه الساعة، ولن ينجبوا. وآدم مأخوذ منه لأنه أول الخلق، وهو غير مأخوذ من أحد. وما بين الأب آدم وآخر ولد؛ مأخوذ ومأخوذ منه. وبذلك يكون كل واحد مأخوذ ومأخوذ منه، وهكذا يستقيم المعنى.