للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والإحكام لهذا يجب أن نلتفت إلى أن هناك قدرة وراء هذا العالم تناسب عظمته. لكن أنعرف ماذا تريد هذه القوة بالعقل؟ إن أقصى ما يهدينا العقل هو أن نعرف أنَّ هناك قوةً ولا يعرف العقل اسم هذه القوة، وكذلك لم يعرف العقل مطلوبات هذه القوة، وكان لابد أن يأتي لنا رسولٌ من طرف تلك القوة ليقول لنا مرادَها، وجاء الموكب الرسالي فجاءت الرسل ليبلغ كلُّ رسولٍ مرادَ الحق من الخلق، فقال كلُّ رسول: إن اسم القوة التي خلقتكم هو الله، وله مطلق التصرف في هذا الكون، ومراد الحق من الخلق تعمير هذا الكون في ضوء منهج عبادة الحق الذي خلق الإنسان والكون. وكل هذه الأمور ما كانت لتدرك بالعقل.

وهكذا نعلم أن منتهى حدود العقل هو إيمانٌ بقوةٍ خالقه وراءَ هذا الكون، وتستوي العقول الفطرية في هذه المسألة. أما اسم القوة والمنهج المطلوب لهذا الاله فلابد له من رسول.

وأرهق الفلاسفة أنفسهم في البحث عن هذه القوة ومرادها. وسموها مجال البحث «الميتافيزيقا» أي «ماوراء الطبيعة» وعادة ما يقابل الفلاسفة من يسألهم من أهل الإيمان: ومن الذين قال لكم إن وراء المادة قوة يجب أن تبحثوا عنها؟ .

وغالباً ما يقول الفيلسوف منهم: إنها الفطرة التي هدتني إلى ذلك. وتشعبت الفلسفة إلى مدارس كثيرة. وحاول أهل الفلسفة أن يتصوروا هذه القوة، وهذا هو الخلل؛ لأن الإنسان يمكنه أن يعقل وجود القوة الخالقة، ولا يمكن له أن يتصورها. وغرق الكثيرون من الفلاسفة في القلق النفسي المدمَّر. وأنقذ بعضهم نفسه بالإيمان. وكان يجب على كل فيلسوف أن يرهف أذنه ويسمع ما قاله الرسل ليحلّوا لنا هذا اللغز، بدلاً من إرهاق النفس بالخلط بين تعقل وجود قوة وراء المادة، وبين تصور هذه القوة.

وإنني في هذا الصدد أضرب هذا المثل وأرجو آلا تنسوه أبداً: إننا إذا كنا قاعدين في حجرة، والحجرة مغلقة الأبواب. ودق الجرس وكلنا يجمع على أن طارقاً بالباب؛ وهذا الشيء المجمع عليه من الكل يَعدُّ تعقلاً، لكن أنستطيع

<<  <  ج: ص:  >  >>