وحين ذكره العبد الصالح بما وعد به من ألا يسأل، تراجع موسى، وتكرر السؤال، وتكرر التذكير. إلى أن أوضح العبد الصالح لموسى كل أسرار ما لم يحط به علما وهنا يقول الحق:{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} لماذا؟ . لأن مشيئة الله مشيئة مطلقة، يفعل ما يريده، ولكنه سبحانه قد سبق منه أن جعل للاختيار جزاءً، لهذا لم يرفعه مع أنه مخالف، لأنها سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
وسنة الله أن من عمل عملاً طيباً يثيبه الله عليه. ومن عمل سوءاً يعاقبه، ومشيئته سبحانه مطلقة، ولا راد لمشيئته ولا معقب لحكمه.
وبمقضى مشيئة الله فهو يعذب المذنب بعدله ويثيب الطائع بفضله، وله سبحانه مطلق الإرادة فهو عزيز، وحكيم في كل فعل. {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض واتبع هَوَاهُ ... }[الأعراف: ١٧٦]
و {أَخْلَدَ إِلَى الأرض} ، أي أنه اختار أن ينزل إلى الهاوية، رغم أن الحق هدى الإنسان وبين له طريق الخير ليسلكه فيصعد إلى العلو، والحق يقول:{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ... }[الأنعام: ١٥١]
ونخطئ حين نفهم أن «تعالوا» بمعنى «أقبلوا» فقط وهذا فهم ناقص، إنها دعوة للقبول وإلى العلو، لأنه سبحانه وتعالى يشرع لنا حتى لا نلزم منهج الأرض السفلى. بل نرتقي ونأخذ منهج الله الذي يضمن لنا العلو. وكأنه سبحانه يقول: تعالوا وتساموا في أخذ منهجكم من الله العلي الأعلى وإياكم أن تأخذوا منهجكم مما وضعه البشر ويناقض ما جاء في شرع الله، لأن في هذا تسفلا ونزولا إلى الحضيض. {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض واتبع هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ ... }[الأعراف: ١٧٦]