للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{ذَّلِكَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فاقصص القصص لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .

إذن حين يضرب الله لنا مثلاً من الأمثال الواقعية في هذا الرجل المسمى «ابن باعوراء» ، فسبحانه يعطينا واقعاً لما حدث بالفعل.

أي أن الذي يريد الله أن يرفعه بما علمه من منهج فانسلخ من دينه فهو مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله، ولستم بدعاً في هذا، فالله يريد أن يرفعكم بمنهج السماء وأنتم تخلدون إلى الأرض، وقد حدث هذا مع ابن باعوراء، وكلمة «مثل» إذا سمعتها هي من مادة ال «م» وال «ث» وال «لام» ، وتنطق كما يأتي: إما أن تنطقها مثْل «يكسر الميم وسكون الثاء» ، وإما أن تنطقها مَثَل «بفتح الميم والثاء» ، والمَثْلَ هو المشابه والنظير، فتقول: فلان مِثْل فلان في الكرم، في العلمَ، في الَطول، في العرض، وبذلك أعطيت تشَبيه ما هو مجهول للمخاطب بما هو معلوم له.

والحق سبحانه يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ... } [الشورى: ١١]

أي لا أحد يشبهه في شيء؛ لأنه مَنَزّه في الذات والصفات والأفعال.

وأيضاً نقول: هذا مَثَل هذا؛ أي أن فلاناً المشبه به يكون أعلى منه فيما يشبهه به، لكن الناس لا تعرف ذلك. وإن كان المشبه به ذائع الصيت؛ بحيث يجري اسمه على كل لسان؛ فنحن نقول: إنَّه مَثَلٌ؛ كقولنا عن الكريم: «هو حاتم» لأن شهرة حاتم في الكرم جعلته مَثَلاً.

والفرق أنك إذا قلت في فلان إنه يشبه حاتماً في الكرم، فقد تكون أول من يخبر عنه، ولك أن تأتي بواحد له شهرة ذائَعة الصيت على كل لسان؛ فهذا مَثَل، كأن تقول: مَثَل حاتم في الكرم، أو مَثل عنترةَ في الشجاعة. والمَثَل في الذكاء إياس، لأن كل واحد منهم مشهور بصفة، ولذلك لما مدح الشاعر الخليفة قال فيه:

<<  <  ج: ص:  >  >>