يطلق على المفرد والجماعة؛ لذلك جاء في الأمر الثاني وراعى الجماعة، إذن «يخلق» للمفرد، و «هم يخلقون» للجمع لأن قوله: «ما» صالح للجميع أي للمفرد وللمثنى وللجمع وللمذكر وللمؤنث.
ومثال ذلك قول الحق تبارك وتعالى:{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ ... }[محمد: ١٦] .
وسبحانه قال هنا:{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} ، ولم يقل:«حتى إذا خرج من عندك» بل قال: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ} أي أنه جاء بالجماعة، فإذا رأيت ذلك في «ما» و «من» و «ال» فاعلم أن هذه الألفاظ يستوي فيها المفرد والمفردة والمثنى والمثناة وجمع الذكور وجمع الإناث. {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} .
وهنا في هذه الآية وقفة لغوية أخرى في قوله:«هم» وهي لا تطلق إلا على جماعة العقلاء، فكيف يطلق على الأصنام «هم» وليست من العقلاء؟ وأقول: إن الحق سبحانه وتعالى لما علم أنهم يعتقدون أنها تضر، وأنها تنفع، فقد تكلم معهم على وفق ما يعتقدون، لكي يرتقي معهم في رد الإنكار لكل ما يستحق الإنكار. فأول مرحلة عرفهم أن الأصنام لا تخلق، وثاني مرحلة عرفهم أنهم هم أنفسهم مخلوقون والأصنام لا تقدر على نصرهم، إذن فهم معطلون من كل ناحية؛ لأنهم لا يخلقون. وهذا أول عجز، ومن ناحية أخرى أنهم يُخْلَون وهذا عجز آخر، لكن بعد هذا العجز الأول والعجز الثاني فهل هم قادرون على نصر غيرهم؟ ها هو ذا سبحانه يترقى في الحوار معهم ترقية أخرى فيقول:{وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً ... }