أي أن جيش فرعون سيدركهم، لأن البحر أمامهم والعدو وراءهم. وليس أمامهم فسحة أمامية للهرب ولا منفذ لهم إلا أن يصمدوا أمام جيش فرعون وهم بلا قوة ولم يكذبهم موسى عليه السلام في قولهم. بل قال لهم يطمئنهم:{كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء: ٦٢] .
وهنا خرجت المسألة عن أسباب البشر وانتهت إلى الركن الشديد الذي يأوي إليه الرسل. ولا يقول هذا القول إلا وهو واثق تمام الثقة من نصرة الله، وسبق أن رويت لكم حكاية المرأة الأوروبية التي أسلمت لأنها كانت تقرأ سيرة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كبطل من أبطال العالم، صنع أكبر انقلاب في تاريخ البشرية، ولما مرت في تاريخه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، قرأت أن صحابته كانوا يحرسونه من خصومه وأعدائه، إلى أن فوجئوا في يوم ما بأن قال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«اذهبوا عني. فإن الله أنزل عليّ:{والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس ... } »[المائدة: ٦٧] .
واستوقفت هذه الواقعة هذه المرأة فقالت: إن هذا الرجل إن أراد أن يكذب على الناس جميعاً ما كذب على نفسه، ولا يمكن أن يُسلم نفسه لأعدائه بدون حراسة إلا إذا كان واثقاً من أن الله أنزل عليه هذا، وأنه قادر أن يعصمه، وإلا دخلَ بنفسه في تجربة. والباحثة من هذه الواقعة قد أخذت لفتة العبرة. وفي مثل هذا يقول الحق تبارك وتعالى على لسان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:{ ... قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ}[الأعراف: ١٩٥] .