وعندما أراد إبراهيم أن يقيم القواعد من البيت كان يكفي أن يقيمها على قدر طول قامته ولكنه أتى بالحجر ليزيد القواعد بمقدار ارتفاع الحجر. . ويريد الله سبحانه وتعالى بمقام إبراهيم واتخاذه مصلى أن يلفتنا إلى أن الإنسان المؤمن لابد أن يعشق التكليف. . فلا يؤديه شكلا ولكن يؤديه بحب ويتحايل ليزيد تطوعا من جنس ما فرض الله عليه.
إن الحجر الموجود في مقام إبراهيم إنما هو دليل على عشقه عليه السلام لتكاليف ربه ومحاولته أن يزيد عليها. وإن الحجر الذي كان يقف عليه إبراهيم به حفر على شكر قدميه. . وهما بين قائل أن الحجر لان تحت قدمي إبراهيم من خشية الله. . وبين قائل إن إبراهيم هو الذي قام بحفر مكان في الحجر على هيئة قدميه. . حتى إذا وقف عليه ورفع يده إلى أعلى ما يمكن ليعلي القواعد من البيت كان توازنه محفوظا.
وقوله تعالى:{طَهِّرَا بَيْتِيَ} دليل على البيت زالت معالمه تماما وأصبح مثل سائر الأرض فذبحت فيه الذبائح وألقيت المخلفات، فأمر الله سبحانه وتعالى أن يطهر هو وإسماعيل البيت من كل هذا الدنس ويجعله مكانا لثلاث طوائف:«الطائفين» وهذه مأخوذة من الطواف وهو الدوران حول الشيء. . ولذلك يسمون شرطة الحراسة بالليل طوافة لأنهم يطوفون في الشوارع في أثناء الليل. والله جل جلاله يقول:{فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كالصريم}[القلم: ١٩ - ٢٠]
وهذه هي قصة الحديقة التي منع أولاد الرجل الصالح بعد وفاته حق الفقراء والمساكين فيها فأرسل الله سبحانه من طاف بها. . أي مشى في كل جزء منها فأحرق أشجارها. . فالطائف هو الذي يطوف. . {والعاكفين} هم المقيمون {والركع السجود} هم المصلون فتطهير البيت للطواف به والإقامة والصلاة فيه. . وهو مطهر أيضا لأنه سيكون قبلة للمسلمين لكل راكع أو ساجد في الأرض حتى قيام الساعة.