ونجد هنا أيضاً أن الحق تبارك وتعالى قال:{إِذَا دَعَاكُم} ولم يقل: إذا دعَوَاكُمْ، وفي ذلك توحيد للغاية، فلم يفصل بين حكم الله التشريعي وبلاغ الرسول لنا. ونعلم أن الأشياء التي حكم فيها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حكماً ثم عدّل الله له فيها الحكم، هذا التعديل نشأ من الله، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم ينشىء حكماً عدّله الله تعالى إلا فيما لم يُنزِل الله فيه حكماً. وحين ينزل الله حكماً مخالفاً لحكم وضعه الرسول، فمن عظمته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه أبلغنا هذا التعديل، وهكذا جاءت أحكامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذا وافقت حقّاً فلا تعديل لها، وإن لم يكن الأمر كذلك فهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعدل لنا. وبذلك تنتهي كل الأحكام إلى الله تعالى. فإذا قال قائل: كيف تقول إن قول الرسول يكون من الله؟ نجيب: إنه سبحانه القائل: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى}[النجم: ٣ - ٤] .
و «الهوى» - كما نعلم - أن تعلم حكماً ثم تميل عن الحكم إلى مقابله لتخدم هوًى في نفسك، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حينما عمد إلى أي حكم شرعه ولم يكن عنده حكم من الله عَزَّ وَجَلَّ، فإن جاءه تعديل أبلغنا. إذن ما ينطق عن الهوى. أي من كل ما لم ينزله الله، وحكم فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ببشريته، ولم يكن له هوى يخدم أي حكم، ونجد في قول الله تعالى: