ابن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -، وفي التفاوض، جاء علي بن أبي طالب ليكتب المعاهدة وفي بدئها» هذا ما صالح عليه رسول الله «فاعترض المفاوض عن معسكر الشرك قائلاً: لو كنا مؤمنين بأنك رسول الله لما حاربناك، بل اكتب:» هذا ما تعاهد عليه محمد بن عبد الله «، فامتنع عليّ عن الكتابة، وقال: لا أكتبها إلا رسول الله. فأمره الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يكتبها كما يقولون لينهي الموقف، وليعطي معجزة، فينظر لعلي وهو مغتبط به، فيقول له:
» اكتب فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد «ويتحقق ذلك بعد حياة النبي، وخلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان، ثم تجيء الخلافة لعلي وحدث فيها ما حدث. ويتحقق قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
» اكتب فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد «
أي سيقفون منك موقفاً مثل هذا وسوف تقبله، ولما جاء الخلاف بين معاوية وجنوده، وبين علي وجنوده، أرادوا أن يوقعوا معاهدة فيما بينهم ليمنعوا النزاع بين المسلمين، فقال علي - كرم الله وجهه -: هذا ما تعاهد وتعاقد عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقال المفاوض عن معاوية: لو كنت أميرا للمؤمنين أكنّا نحاربك؟ ، فتذكَّر علي كرم الله وجهه ما قاله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يوم صلح الحديبية: «أُكتب فإن لك مثلها ... . . إلخ» .
ومعنى ذلك أن السياسة تقتضي ألا تتجمد كمن يكون في قالب حديدي، بل تفترض السياسة فيمن يعمل بها شيئاً من الليونة وبعد النظر لتنتهي المواقف الصعبة؛ لأن كل طرف لو أصرّ على موقفه لما وقعت المعاهدة، وكانت معاهدة صلح الحديبية مطلوبة ومناسبة ليتفرغ المسلمون - بعد الأمن من قريش - للدعوة إلى منهج الله في الأرض، وهذا ما حدث خلال السنوات العشر التي تلت هذه المعاهدة، وانتشر الإسلام في ربوع الجزيرة العربية، ومن بعدها إلى آفاق الأرض كلها.