صدرك إنما وراءك لا يوجد جزء من الدرع ليحمي ظهرك. فقال:(لا كنت إن مكنت خَصمي من ظهري) ، أي أنه - كرّم الله وجهه - يفضل الاستشهاد على أن يُمَكِّن خصمه من ظهره، فلو أنَّ درعه من الأمام ومن الخلف، ففي هذه الحالة يكون في نيته أن يمَكِّن خصمه من ظهره، ولذلك جعل الدرع يحمي الصدر فقط، وهو على يقين أنه لن يدير ظهره لعدوه، ويسمون تلك الحالة الأخرى «ظاهرة ضبط النفس» أي أنها طريق لمنع الشيء أن يحدث ولو في ساعة الشدة؛ لأن المقاتل حين يدخل المعركة، وهو يحمي صدره فقط فهو لا يتولى ليفر؛ لأنه يعلم أنه لو تولى فسيكشف لهم ظهره وسيتمكن منه عدوه وسوف يُقتل.
والحق سبحانه وتعالى حين يقول:{فاثبتوا} لا يطلب هذا الثبات على إطلاقه، ولكن يريد من المؤمنين الثبات والقوة في القتال. أما غذا كانت الفئة التي يواجهها المؤمنون كبيرة العدد أو كثيرة العتاد فذلك يتطلب الدراسة والاستعداد، وهنا طلب الحق الثبات ليعلم المؤمنون يقيناً؛ أنهم لا يواجهون عدوهم بقوتهم ولكن بقوة الله الذي يجاهدون من أجله. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:{واذكروا الله كَثِيراً} ، أي تذكروا وأنتم تقاتلون أن الله معكم بعونه ونصره، فإن لم تستطع أسبابكم أن تأتي بالنصر، فإن خالق الأسباب يستطيع بقدرته أن يأتي بتالنصر.
وكلنا نعلم أن الحق تبارك وتعالى قد وضع في كونه الأسباب، فإذا استنفدنا أسبابنا، اتجهنا إلى خالق الأسباب، ولذلك نجد أن من لا يؤمن بالله إذا خانته الأسباب ينتحر أو ينهار تماماً أو يصاب بالجنون، ولكن المؤمن يقول: إذا خانتني الأسباب فمعي رب الأسباب وخالقها، ويأوي إلى ركن شديد.
إن الطفل الصغير إذا اعتدى عليه أحد يقول: إن لي أباً أو أخاً سيرد عني الإيذاء؛ لأن الأسباب لا تعطيه قدرة الرد، فكيف لمن له رب قدرته فوق قدرة