{وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}[الأنفال: ٥١] .
نفي مبدأ المبالغة، والقرآن يكمل بعضه بعضاً، فإذا قيل: إن الله نفى الأعلى وهذا إثبات للأدنى نقول: إن نفي الأعلى لا يلزم منه إثبات الأدنى ولا يمنع من وجود الأدنى، فإذا جاءت آية أخرى ونفت الأدنى، إذن فلا هو بظلاَّم ولا هو بظالم. ولا بد أن نلتفت إلى الإعجاز القرآني في الأسلوب، فالمتكلم هو الله. نقول: هل قال الله سبحانه وتعالى: ليس بظلاَّم للعبد أم ليس بظلاَّم للعبيد؟ لقد قال الحق:{لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} وهي هنا صيغة مبالغة، والمبالغة مرة تكون في قوة الحدث وإن لم يتكرر، ومرة تكون في المبالغة في تكرار الحدث، والإنسان حين يظلم ظلماً بيّناً مبالغاً فيه يقال عنه: إنه ظلاَّم؛ لأنه بالغ في الظلم، فإذا لم يبالغ في الظلم وكان ظلماً بسيطاً ولكنه شمل عدداً كبيراً من الناس يكون ظلاَّما نظراً لتعدد المظلومين.
وما دام الحق سبحانه وتعالى قال:{لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} ؛ ولم يقل: ليس بظلاَّم للعبد، وبما أن الظلم يتناسب مع القدرة. نجد مثلاً قدرة الحاكم على الظلم أكبر من قدرة محدود النفوذ؛ وهذه أكبر من قدرة الشخص العادي، فلو كان الله سبحانه وتعالى مع كل واحد من عباده ظالماً ولو مثقال ذرة لقيل: ظلاَّم. وقد أراد الله سبحانه وتعالى بهذه الآية الكريمة أن يخبرنا أنه لا يظلم أحداً ولو مثقال ذرة، إذن فهو ليس بظلاَّم للعبيد؛ لأنه لو ظلم كل عبد من عباده ذرة لكانت كمية الظلم هائلة لكثرة العباد. ولكن حتى هذه الذرة من الظلم لا تحدث من الله سبحانه؛ لأن الله ليس بظلاَّم للعبيد.