والتأليف بين القلوب هو جماع التواد والمساندة، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول في الحديث الذي يرويه عنه النعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما:«ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله» .
والحديث بتمامه:«انّ الحلال بِّين وإن الحرام بَيِّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» .
ولم تكن المسألة في تأليف القلوب مسألة احتياج إلى مال؛ لأن المال لا يمكن أن يعطي الحب الحقيقي، ولذلك فهناك بين الناس ارتباط مصالح وارتباط قلوب، وارتباط المصالح ينتهي بمجرد أن تهتز أو تنتهي هذه المصالح، لكن ارتباط القلوب يتحدى كل الأزمات، وأنت لا تستطيع أن تجعل إنساناً يحبك حقيقة مهما أعطيته من مال؛ لأن الحب الحقيقي لا يشترى ولا يباع، إنما يشترى النفاق والتظاهر وغير ذلك من المشاعر السطحية. والعرب الذين ألف الله بين قلوبهم لم يكن يهمهم المال بقدر ما تهمهم الحمية والعصبية، فغالبيتهم يملكون الثروات، ولكن الفُرْقة فيما بينهم نابعة من الحمية والعصبية التي تجعل في القلوب غلاً وحسداً وحقداً؛ لذلك تنفعل جوارحهم. يقول الحق تبارك وتعالى:
{ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: ٦٣] .
وما دام الله سبحانه وتعالى له عزة فهو لا يغلب، وما دام حكيماً فهو يضع الأمور في مكانها السليم، والله سبحانه وحده هو القادر على أن يجعل