بلغتكم وأسلوبه من جنس ما نبغتم فيه، فكان إعجازاً لكم، وتحداكم الله تعالى بأن تأتوا بسورة من مثله فعجزتم وأنتم ملوك البلاغة والفصاحة، فكأن الإعجاز من أمانة الرسول وصدقه، والإعجاز من بلاغة القرآن وتحديه يقتضي منكم الإيمان فيكون عدم الإيمان هنا مكابرة تقتضي عقاباً صارماً.
فإن سأل سائل: أين هي حرية التدين؟ وأين تطبيق قول الحق تبارك وتعالى؟ {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين}[البقرة: ٢٥٦] .
نقول: نعم، لا إكراه في أن تؤمن بالله وتؤمن بدينه، ولكن ما دمت قد آمنت فلا بد أن تلتزم بما يوجبه هذا الإيمان، أما عند التفكير في مبدأ التدين فأنت حر في أن تؤمن بالله أو لا تؤمن.
ولكن إذا آمنت فالواجب أن نطلب منك أن تلتزم. ثم إن الحق سبحانه وتعالى شاء ألاَّ يجتمع في الجزيرة العربية دينان أبداً.
ولكن في أيِّ مكان آخر مثل فارس، الروم، فهم لن يعرفوا إعجاز القرآن الكريم كلغة، ولكن يسمعون أنَّه معانٍ سامية بقوانين فعالة تنظم الحياة وترتقي بها.
أما الذين يعرفون الرسول وفصاحة المعجزة التي جاء بها، فلن يُقبل منهم إلاَّ أن يسلموا، ولا يُقبل منهم أن يظلوا في أرض الرسالة دون إسلام، وإن أرادوا أن يظلوا على الشرك فليرحلوا بعيداً عن هذه الأرض.
وهناك من يقول: إنَّ الإسلام انتشر بالسيف أو الجزية، ونقول: إن الإسلام انتشر بالقدوة، أما السيف فكان دفاعاً عن حق اختيار العقيدة في البلاد التي دخلها الإسلام فاتحاً، والجزية كانت لقاء حماية من يريد أن يبقى على دينه.
ونجد في حياتنا اليومية من يستخدم {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} في غير موضعها، فحين يقول مسلم لآخر: لماذا لا تصلي؟ يرد عليه بهذا القول:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} . ونقول: إن {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} مسألة تخص قمة التدين، أي مسألة اعترافك بأنك مسلم أو غير ذلك، لكن ما دمت قد أعلنت الإسلام وحُسبت على المسلمين،