للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شيئا كأنك تغصبه على عدم الالتصاق بشيء آخر، ولذلك سُمِّي سلخ جلد الشاة غصباً؛ لأن صاحب المال متمسك بماله تمسك الشاة الحية بجلدها.

وإذا أطُلق الغصب في الفقه لا ينصرف إلى المعنى اللغوي وهو اللمعان والصوت العالي، وللعلماء في هذا المعنى أكثر من رؤية، وكل واحد منهم أخذ لقطة من ال «إل» وأصله اللمعان، أَلَّ. . يؤلّ. . إِلاًّ، بمعنى لمع. . يلمع. . لمعاً. وال «إل» أيضاً هو الصوت العالي، وقال ابن عباس والضحاك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: إن «إلاّ» هي القرابة؛ لأن القرابة سبب للتراحم، فأنت يعز عليك أن تخون قريباً لك؛ لأن القرابة لا تحتاج إلى عهد، وقيل إن «إلاّ» هي العهد.

وقال سيدنا الحسن: إن «إلاّ» هي الجوار وما يوجبه من حقوقه. وقال قتادة: إن «إلاّ» هي الحلف والتحالف. وقال أبو عميرة: إن «إلاّ» هو اليمين أو القسم.

والمعاني كلها تلفتنا إلى وجود نوع من التراحم، بحيث لا تتملك الإنسان القسوة أو انفلات الانفعال، وليجعل الإنسان لنفسه من يقول له: «اهدأ إنه جارك أو من قوم بينهم وبين من تعاهون صلة قرابة» ؛ لأن الذي يجعل الإنسان لا يميل إلى الشر ولا يشتري فيه ساعة يحفزه الأمر؛ هو مراعاة الملابسات كلها، وهكذا يتدخل الحوار، ولكن قد توجد قرابة أو عهد أو قسم أو جوار ليمنع البطش بقسوة، أي إن «إلاّ» هو الأمر الذي يمنع الرد بقسوة على شيء قد يكون وقع خطأ. والمعنى أيضا هو عدم احترام لكل القيم؛ عدم احترام للقرابة أو الجوار أو العهد أو القسم، فإذا تمكن رجل قوي من طفل صغير لم يراع فيه أيا من هذه الأشياء.

ويريد الحق أن نعلم أن المشركين إذا تمكنوا من المؤمنين فهم لا يراعون فيهم قرابة ولا عهداً ولا حلفاً ولا جواراً ولا قسماً ولا أي شيء. إذن فكيف يكون للمشركين عهد؟ وهم إن تمكنوا من المؤمنين لا يراعون فيهم شيئا أبداً.

ثم يضيف الحق سبحانه وتعالى قوله:

{وَلاَ ذِمَّةً} [التوبة: ٨] .

والذمة هي الوفاء بالأمانة التي ليس عليهما إيصال ولا شهود، فإذا اقترض واحد

<<  <  ج: ص:  >  >>