بقوالبهم وظواهرهم ليقولوا: إن هناك تناقضاً، فالله يقول:{وَإِن نكثوا أَيْمَانَهُم} أي أثبت أن لهم أيماناً، ثم قال:{لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} . فكيف يثبت لهم الأيمان ثم ينفيها عنهم؟ . والنفي والإثبات لا يجتمعان في وصف الشخص الواحد؛ ونقول: إنهما لا يجتمعان عند من يفكر تفكيرا سطحيا، أو يأخذ الأمور بظواهرها. ولكن من يعرف مرامي الألفاظ، يعلم أن نفي الشيء وإثباته في القرآن الكريم يعني: أن الجهة منفكة. فالله سبحانه وتعالى يقول لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في غزوة بدر:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى}[الأنفال: ١٧] .
فقوله:{وَمَا رَمَيْتَ} نفي للرمي من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، و {إِذْ رَمَيْتَ} إثبات للرمي. ويجيء نفي الشيء وإثباته في آية واحدة، والفاعل والفعل واحد. وهذه تسمى في الأسلوب انفكاك الجهة، أي أن كل جهة تطلب معنى مختلفاً عن الجهة الأخرى، تماماً مثلما يقال: إن فلاناً يسكن أعلى مني. فهذا قول صحيح، ولكنه في ذات الوقت يسكن أسفل بالنسبة لمن فوقه، إذن فهو عالٍ وأسفل في نفس الوقت؛ عالٍ عمن تحته وأسفل ممن فوقه.
أو تقول: - كمثال آخر - فلان أب وابن. هنا يبدو تناقض ظاهري، أي أنه أب لا بنه، وابن لأبيه، فهو أب من جهة الابن، وابن من جهة أبيه، ولا يوجد تعارض. وهذا ما نسميه انفكاك الجهة.
إذن فلا يوجد أدنى تعارض بين نفي الرمي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإثباته له؛ لأن رسول الله أخذ حفنة من الحصى ورمى بها جيش الكفار، هذا ما فعله الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو من البشر، لكن قدرة