وما دام بيت الله تعالى {هُدًى لِّلْعَالَمِينَ} أي أنه بيت لكل الناس وليس لمن يجلس فيه فقط، فكأن إشراقات الحق وتجلياته، أعظم ما تكون في بيته أولا، ثم تشيع الإشراقات والتجليات في جميع بيوت الله، وعلى عمارها والمتعبدين فيها، وبيوت الله هي الأماكن التي تتنزل فيها الرحمات من الحق سبحانه وتعالى، بدليل أنه سبحانه وتعالى حين تكلم عن نوره في سورة النور قال:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه}[النور: ٣٦] .
أي أن الذين يرون هذا النور ويتنزل عليهم هم عمار المساجد، وسورة النور جاء فيها - أيضاً - قول الله تعالى:{الله نُورُ السموات والأرض}[النور: ٣٥] .
أي: أن نوره يملأ السماوات والأرض. حين يضرب الحق سبحانه وتعالى مثلا للمعنويات ليتعرف إليها الناس فهو يقدم لها بأمر مادي يتفق عليه الكل، ليقرب الأمر المعنوي أو الغيبي إلى أذهان الناس؛ لأن المعنويات والغيبيات يصعب إدراكها على العباد. فلذلك فهو سبحانه وتعالى يقرب هذا الأمر ويبينه بأن يضرب لنا مثلا من الأمور المادية؛ حتى تقترب الصورة من الأذهان؛ لأننا جميعا نرى الماديات. وبهذا يلحق سبحانه الأمر المعنوي وهو غير معلوم لنا بالأمر المادي الذي نعرفه؛ فتقترب الصورة من أذهاننا وتتضح لنا، وهكذا شاء الحق سبحانه وتعالى أن يلحق المجهول بالنسبة للناس بالمعلوم عندهم.
وإذا كنا في كون الله تعالى نجد النهار إنما يكون نهارا بإشراق الشمس