أو قدم الفسق؛ فكأن الكافر أو الظالم أو الفاسق، هو الذي يمنع الهداية عن نفسه.
ولو قدم الإنسان الإيمان لدخل في هداية الله تعالى، فكأن خروج الإنسان عن مشيئة هداية الله هي مسألة من عمل الإنسان وباختياره، فقد يختار الإنسان طريق الغواية، ويترك طريق الهداية؛ لذلك لا يهديه الله؛ لأنه سبحانه لا يهدي إلا المؤمن به. وإن اختار الإنسان طريق الهداية، فالحق يعطيه المزيد من الهدى؛ لأنه آمن بالله؛ فاختار طريق الهداية، واستقبل منهج الله بالرضى. وهكذا نفهم قول الحق تبارك وتعالى:{فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ}[فاطر: ٨] .
إذن فالحق يهدي من استمع إلى القرآن بروح الإيمان، واستقر في يقينه أن له ربا، واعتقد أن له إلهاً، وقد فصلنا ذلك في مسألة القضاء والقدر، وقلنا: إن الذين يقرأون القرآن لفهم قضية الهداية عليهم أن يستقرئوا كل الآيات المتعلقة بالموضوع، فسبحانه وتعالى قد أوضح أنه لا يهدي الكافر، إذن فهو يهدي المؤمن، وأوضح أنه لا يهدي الظالم، إذن فهو يهدي العادل، وأوضح أنه جل وعلا لا يهدي الفاسق، إذن فهو يهدي الطائع، فلا يقولن أحد: إن الله لم يشَأْ أن يهديني؛ لأن هذا فهم خاطىء لمعنى الهداية من الله؛ فسبحانه وتعالى قد بيَّن لنا من شاء هدايته ومن شاء إضلاله، وهو يهدي من قدم أسباب الهداية، وأسلم مقاليد زمامه للإيمان، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً}[مريم: ٧٦] .
ويقول أيضا:{والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ}[محمد: ١٧] .