وفي الدنيا إذا أراد إنسان أن ينال نعم كل الخلق، فلا بد أن يفرح بالنعمة عند صاحبها؛ لأنه حين يفرح بالنعمة عند صاحبها أتت إليه واستفاد منها، وعلينا أن نوقن بأن النعمة تعشق صاحبها أكثر من عشق صاحبها لها، لأنها تعرف أن الله قد أرسلها إليه، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:{تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}[إبراهيم: ٢٥] .
وأنت حين تبذر بذرة الشجرة، تعطيك الشجرة الثمار، وهي التي تعطيك نتاجها. ولست أنت الذي تنتزعه منها، ولذلك نقول دائما: إن الرزق يعرف عنوانك جيدا ولكنك لا تعرف مكانه أبدا، فأنت تبحث عن الرزق في كل مكان وقد لا تجده. ولكن ما قسمه الله لك من الرزق تجده يسعى إليك ويأتيك حتما.
وأهل الجنة لا يعرفون الحقد ولا الحسد ولا الغل. وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأصحابه وهم جالسون معه ذات يوم:«يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» .
ودخل الرجل وعرفه الصحابة، فأرادوا أن يعرفوا ماذا يعمله هذا الصحابي حتى يستحق بشارة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالجنة. قالوا له: ونحن نريد أن نعرف ماذا تفعل لنكون معك. فقال الرجل: إني لأصلي كما تصلون وأصوم كما تصومون وأزكي كما تزكون. ولكني أبيت وليس في قلبي غل لأحد. فذهبوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقالوا له: لقد قال الرجل كذا وكذا. فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«وهل فضلت الجنة على الدنيا إلا بهذا»